Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

هل يبحث ترامب عن استراتيجية حقيقية أم أنه يهرب إلى الأمام

حين سقط الاتحاد السوفياتي في يوم 26 ديسمبر عام 1991، صرّح الرئيس الأمريكي “جورج بوش” الأب قائلاً: “شعرت بشحنة هائلة وأنا أراقب الانهيار النهائي للاتحاد السوفياتي، لقد خصّني القدر بامتياز أن أكون رئيساً في زمنٍ شكّل آخر فترات الحرب الباردة”.

وما بين عامي 1991 – 2018 مرّ أكثر من ربع قرنٍ على تربّع الولايات المتحدة كقطبٍ أوحد بدون منافس، ولكن وفي هذا الربع قرن كانت قوى اقتصادية عالمية بعيدة عن التصنيع والهيمنة الأمريكية تتشكّل في الصين وفي البرازيل وفي تركيا.. الخ.

هذه القوى تنهض باقتصادها عبر معدلات نمو اقتصادي عملاقة، وهذا يعني وفرة السلع والبحث عن الأسواق والمنافسة الاقتصادية وتراكم رأس المال الصناعي الصاعد، هذا النمو الاقتصادي الذي وضعَ هذه البلدان في ترتيب متقدم على صعيد الاقتصاد العالمي يحتاج بالضرورة إلى استقرار سياسي داخلي وإقليمي وهذا ما تحاول الولايات المتحدة الأمريكية أن تمنع حدوثه.

على أرضية هذه الرؤية يمكننا قراءة ما وراء اختيار “دونالد ترامب” لمعاونيه الجدد الذين عينهم منذ أيام وهم: (مايك بومبيو للخارجية – جون بولتون للأمن القومي – جينا هاسبل لوكالة CIA)، وعلينا فهم أن هؤلاء أتوا لترميم سياسةٍ يعتقد ترامب أن الوقت أزُف لتنفيذها بما يسمح للولايات المتحدة بالبقاء في مركز القطب الأوحد على مستوى إدارة العالم.

السياسات الأمريكية قد تتدخل بها اللمسات الفردية لشخصيات كبرى كالرئيس أو مستشار الأمن القومي، ولكن السياسات الاستراتيجية تخضع لمراكز صنع القرار الأمريكي المتعددة، وتأتي هذه السياسات على قاعدة بيانات واسعة وعميقة لكل التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية، وهذا ما يجعلنا نتساءل: هل التغييرات التي أحدثها ترامب في إدارته أتت على قاعدة وحدة القرار الأمريكي والابتعاد عن حالة الخلافات الناجمة عن تعدد الرؤى في فريق العمل السابق لترامب؟، أم أن هذه التغييرات أتت للهروب إلى أمام من أزمة تعيشها إدارة ترامب ولا تزال مفاعيلها جاريةً بشأن التدخل الروسي في مجرى الانتخابات الأمريكية.

إن إبعاد “ترامب” لـ “ريكس تيلرسون” عن الخارجية والمجيء بـ “مايك بومبيو”، هو اتجاه لإحداث قطيعة مع النهج الذي مارسه الوزير تيلرسون حيال الملفات الساخنة وتحديداً ما يتعلق منها بملف العلاقات مع الروس والموقف من الإيرانيين، وليس خافياً أن تيلرسون لم يكن ليذهب بعيداً في معاداة روسيا أو التضييق عليها في مسألتي القرم وسورية، وهو المعروف عنه أنه الصديق المقرّب من الرئيس “فلاديمير بوتين” ومن رئيس شركة روسنفت الروسية للنفط.

وعلى ذات الأرضية يمكن تلمس استبدال مكماستر العسكري النموذجي المحبوب بجون بولتون الصقر الجمهوري القادم من نادي الشاي والذي لا يقبل بأقل من حروب الصدم المباشر، وتحديداً مع إيران وكوريا الشمالية ومع النظام الأسدي، إضافة إلى تعيين امرأةٍ حديدية في منصب مدير وكالة المخابرات وهي “جينا هاسبل” التي كانت تمارس التعذيب في سجن سري تابع لوكالة CIA في دولة تايلند عام 2003.

فهل هذه التعيينات هي لتنفيذ استراتيجية حرب حقيقية سيخوضها الأمريكيون قريباً مع كوريا الشمالية أو إيران، أم أنها مجرد هروب إلى الأمام تحت وطأة تحقيقات القاضي روبرت مولر في قضية التدخل الروسي في مجرى الانتخابات الأمريكية؟.

إن تشكيل طاقم حكم متشدد كالذي أتى به ترامب لا يعني بالضرورة أن تفعل هذه الإدارة كما فعلت إدارة جورج بوش الابن في التحضير لغزو العراق، فالواضح حتماً أن الإدارة الأمريكية لا تزال تخوض في وحول التردد وعدم القدرة على اختيار الخطوات الصحيحة حيال الملفات الأكثر تفجّراً في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم كملف الصراع السوري وملف الحرب ضد كوريا أو ضد إيران.

فهل هذا التردد الأمريكي يرتكز على معرفة الإدارة الأمريكية أن زمن قطبها الأوحد قد بدأ بالأفول التدريجي مع بدء ظهور قوى اقتصادية وعسكرية منافسة؟.

وهل إدارة الصراع الدولي وفق الصيغة الدولية التي تعبّر عنها هيئة الأمم المتحدة ومجلس أمنها، تُبرز عجز الأمريكيين والغرب عن شنّ حروب أو التهديد بشنها خشية الانزلاق في مواجهات مكلفة للاقتصاد الأمريكي، سيما وأن المديونية الحكومية الأمريكية تجاوزت مبلغ عشرين تريليون دولار أمريكي مع العلم أن الناتج المحلي الأمريكي يبلغ أكثر بقليل من 18 تريليون دولار.

هل ما يجري من صراعات دولية على الساحة السورية يكشف هذه المعادلة المريرة للأمريكيين، الذين يبدو أنهم بدأوا بالمراهنة حيناً والتراجع حيناً آخر على قوى صغيرة يعرفون مقدماً أنها عاجزة عن الانتصار في بيئة لا تقبل بانتصارهم؟.

إن العالم الرأسمالي الذي تقوده الولايات المتحدة يفتقد الآن إلى استراتيجية حقيقية يتكيّف بموجبها مع حقيقة أن العالم لا يمكن حكمه عبر قطب واحد.