Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

لن تبدأ الحرب على السوريين غداً

ما الجديد سورياً اليوم؟ بعد قصف الأسد لمدينة دوما بالسلاح الكيماوي، سوف يشعر المتابع لمداولات السوريين التي تصاعدت، أن العدوان سيبدأ على سوريا اليوم أو في الغد على أبعد تقدير (قد لا يحصل أساساً)!

الموالون لنظام الأسد ثار لديهم الحس الوطني لمواجهة عدوان غاشم وظالم سوف تتعرض له سوريا. عدوان غربي إمبريالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، الشيطان الأكبر بحسب تعريف الشريك الإيراني المساهم في الدفاع عن السيادة الوطنية السورية.

المعارضون من جهتهم ومعهم المهجرون يبتهلون للتدخل الأمريكي الذي يبدو وشيكاً. ومن الطرفين تبدو اللغة التي يستخدمها السوريون وكأن هذ العدوان بحسب الموالاة، والتدخل بحسب المعارضة، سيبدأ للتو ولم يكن أمراً حاصلاً وبشكل يومي منذ سنوات.

تبدو العلة أو المفارقة في هذه الإشكالية في زاوية النظر لكل فريق، وإذا أردنا الدفع بالنقاش أكثر فإن التغيير في هذه الحرب المستمرة منذ سبع سنوات، يكمن اليوم في طبيعة الأهداف، فهي المتغير الجديد والوحيد المحتمل.

أن تُدَمَّر الرقة ودير الزور فهو أمر غير ذي بال لمعظم الموالين أو على الأقل غير جوهري في طبيعة الصراع الذي يخوضونه دفاعاً عن الأسد، أما أن يكون الهدف هو نظام الأسد وقواته فهذا ما يمكن تعريفه بالعدوان على سوريا.

سوريا بحسب تعريف هؤلاء هي سوريا التي يحكمها نظام الأسد، وهي لا تشمل كل ما دُمِّر سابقاً، فتلك سوريا الجغرافيا التي نمت فيها حواضن الإرهاب وكان لا بد من اجتثاثه ولو عبر تدميرها بالكامل.

المدن السورية والبلدات بما فيها من مواطنين أطفالاً ونساءً ورجال، هم سوريون بالتأكيد ولهم أسماؤهم وأسماء عائلاتهم في السجلات المدنية السورية، في حلب وحمص وإدلب ودرعا والرقة ودير الزور وفي معظم الأرياف السورية. تلك الجغرافيا السورية كانت تقصف يومياً وعلى مدار سبع سنوات بالمدافع والدبابات والصواريخ بما فيها السكود الأشد تدميراً، وبالطائرات عبر الصواريخ والقذائف العنقودية والفراغية والارتجاجية والفوسفورية. وكانت طائرات الأسد المروحية تتجول في أربع جهات سوريا لتقصف الشعب السوري بالبراميل الذكية وبالكيماوي. أولم تكن تلك حرباً على السوريين؟

منذ سبع سنوات يموت السوريون ويختفون في السجون ولا يعود منهم، إن عاد، سوى بطاقات الهوية، واحتمالية اكتشاف صورهم في مجموعة “سيزر” الشهيرة عالمياً. تُحاصَر المدن ويجوع الأطفال ويموتون بلا دواء، وبلا علاج ودون أدنى رحمة بالتأكيد. أولا يمكن تسمية تلك جرائم حربٍ تجري وسط الحرب؟

ألم تكن كل تلك المجريات خلال سبع سنوات، وكل ما تعرض له هؤلاء من أنواع الموت، ألم تكن حرباً على السوريين؟ فما الجديد اليوم؟ هي الحرب المستمرة والتي لم تتوقف يوماً واحداً. إنه الموت الذي لم يغب عن أيام السوريين. المتغير الوحيد أنه إضافة للمواطنين السوريين الذين تشرد نصفهم داخل بلدهم وفي معظم قارات الأرض، قد يتم اتخاذ قرار دولي بقصف قوات الأسد من قبل قوات تشترك وعلى الأرض السورية في كامل الصراعات الدائرة منذ سنوات.

وضَعَ الأسد وحلفاؤه المحليين والخارجيين قواعد بالغة القسوة لاحتمالية التغيير في سوريا. قواعد لم يعرف بلد في العالم شبيهاً لها من قبل. كان عنوانها الأبرز والذي يكثف كافة الشعارات الأخرى: “الأسد أو نحرق البلد”، وفعلوها حقاً وأحرقوا البلد مادياً ووجدانياً. أولم تكن تلك حرباً؟

هذا الربط لوجود سوريا، التي عمر الحضارة فيها آلاف السنين، بالأسد كان ومازال صلافة ما بعدها صلافة. رسالة للسورين كان مفادها أنه سيتم تدمير سوريا وحرقها إن لم يقبل السوريون بقاء الأسد، للأبد إن أمكن. إنها مصادرة لم يسبق لأي ديكتاتور في التاريخ أن أعلنها بتلك الوقاحة.

كنت كمعظم السوريين مُستَنفراً لمتابعة جلسات مجلس الأمن وهو يناقش قصف دوما بالكيماوي. باستثناء الخلاف في الشكل والملامح بين المندوبين الروسي والسوري في مجلس الأمن، كان يتعذر عليَّ اكتشاف فوارق أخرى بينهما، وبشكل خاص لناحية اللغة والمفردات التي استخدماها.

كان كل منهما يتحدث بصلفٍ. كلاهما كان يكرر الكذبات نفسها بما يليق بممثل لعصابة مافيا وليس دولة. عصابة لا تجد أي بأسٍ، بحكم القوة التي تمتلكها، بارتكاب كل الشرور التي ارتكبتها في سوريا، ولا ترى أي غضاضة في كل الموت الذي زرعته خلال سنوات، فهذه البلد بما فيه من بشر من حصتها، وعلى القوى الخارجية الأخرى والدول الأخرى الخجل من نفسها عندما تحاول التدخل فموت السوريين المملوكين للأسد.

أيها السادة لن تبدأ الحرب على السوريين غداً، وكم كنت أتمنى لو أنها كذلك، كم وددت ومعي بالتأكيد ملايين السوريين أن عدواً خارجياً قرر العدوان على وطننا، لنهبَّ جميعاً كسوريين معجونين بالدوافع الوطنية الطبيعية لباقي شعوب الأرض، للدفاع عنه.

أيها السادة، الأسد سبق كل عدوّ في الحرب على السوريين والعدوان عليهم. ما جعل السوريين يراجعون في كل يوم مفهوم الوطن الذي دمره في دواخلهم قبل أن يدمر أي شيء آخر.

الحرب على السوريين بدأت منذ نصف قرن بأشكال متنوعة وبوسائل تدميرية متنوعة. والحلم الأقصى للسوريين هو أن يأتي يوم يستعيدون فيه ما دمره فيهم الطرف الأكثر وقاحةً من بين كل أعداء سوريا، الأسد وشركاه.