Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

تعقيدات قانونية وتكاليف مرتفعة تواجه زوجات المفقودين في المحاكم 

خاص - SY24

على حاجز أشرفية صحنايا العسكري بدمشق، اعتقل زوج الشابة “عبير” 27 عام، قبل عشر سنوات دون معرفة سبب اعتقاله، ليترك خلفه زوجة شابة لا تتجاوز السابعة عشرة من عمرها، وطفل رضيع ومصير مجهول.

تروي لنا “عبير” قصة اعتقال زوجها، وبحثها المستمر مع ذويه عن الفرع الذي اعتقله، ليكون الرد بأنه ليس لديهم، تقول: “درت جميع الأفرع الأمنية في المنطقة، والريف، ولم أترك فرع مخابرات إلا وسألت عنه ولكن دون فائدة”.

بعد خمس سنوات يتلقى ذوي الشاب شهادة وفاة لابنهم، ليتم كتمان الخبر عن زوجته وبقائها في أمل خروجه يوما ما، ولاسيما أن السنة الماضية شهدت مراسيم عفو عن عدد من المعتقلين، بحثت فيهم “عبير” عن اسم زوجها لكنها لم تعثر عليه، لتعرف منذ مدة قصيرة أنه متوفى قبل خمس سنوات تقريباً، وأهله يخفون الخبر عنها.

تقول “عبير” إنها أمضت عشر سنوات من حياتها تنتظر عودة زوجها، أو سماع خبر عنه، لكنها صعقت بأنه متوفي منذ سنوات وأهله على علم بذلك، ولم يخبروها خوفاً من أن تتزوج بعده، ولا سيما أنها ما تزال شابة صغيرة.

تتبسم “عبير” بحرقة، وتقول: “لا يعنيني الزواج مرة أخرى أبداً، بقدر ما يعنيني أن أعيش وهماً عمره عشر سنوات، وأنا أعد طفلي بأنه سيرى والده يوماً ما”.

واجهت الشابة مشاكل كثيرة بعد تهجيرها وطفلها إلى الشمال السوري، حيث تقيم مع أمها وطفلها الآن، من ناحية الأوراق الثبوتية وتسجيل الولد في المدرسة، تخبرنا أنها كانت ماتزال عزباء في السجل المدني، بسبب عدم تثبيت زواجها بالمحكمة منذ سنوات، وبذلك اصطدمت بعقبات كثيرة لتثبيت الزواج ثم النسب، وإخراج أوراق ثبوتية لها ولطفلها.

“عبير” واحدة من نساء سوريات كثر، فقدن أزواجهن أثناء الحرب أو في الاعتقال، وواجهن مشاكل عديدة تتعلق بعدم امتلاكهن وثائق رسمية، من عقود الزواج وشهادات الوفاة لأزواجهن وبيانات العائلة، وهذه المشكلة أكثر ما واجه المهجرات والنساء النازحات إلى الشمال السوري، إذ لاتملك الزوجة وثيقة تثبت وفاة زوجها ولاسيما إن كان معتقلاً أو مغيباً قسرياً بسبب استحالة تأكد وفاته أو الحصول على شهادة وفاة إلا في حالات نادرة كما حدث مع “عبير”.

في حديث خاص مع الأستاذ “محمد معتز العلي” محامي ومسؤول قانوني بأحد المنظمات في محافظة إدلب، أكد لمراسلتنا، أن قضايا التفريق من أكثر القضايا المنتشرة في المحاكم بالمنطقة، ولها عدة أسباب من بينها دعاوى التفريق للغياب قسراً أو الاختفاء أو الاعتقال.

إذ تتجه زوجات كثر ممن فقدن الأمل بعودة أزواجهن المغيبين قسراً أو المعتقلين، إلى رفع قضية تفريق للتمكن من الزواج مرة أخرى، أو لتحصل على وصاية الأولاد أو تثبت حقوق ملكية إن وجدت.

يقول “العلي” يحق للزوجة شرعاً وقانوناً بعد غياب الزوج مدة تزيد عن العام طلب التفريق ويكون الطلاق طلقة بائنة.

قبل عدة أشهر تمكنت “عبير” من رفع دعوى التفريق، وتثبت طلاقها في المحكمة، وذلك بعد سلسلة قضايا من تثبت الزواج ثم النسب ثم التفريق، إذ يخبرنا “العلي” أن المحاكم في إدلب تواجه نوعاً من التعقيد، لأن أي طلب قانوني يحتاج من المدعي إخراج قيد، وكثير من الزوجات يكون زواجهن عرفياً أو مكتوم أي غير مسجل بالسجل المدني، وبغياب الزوج يقع عليها عبء تثبيت الزواج والنسب في حال وجود أطفال، ثم رفع دعوى التفريق، أي أنها ملزمة بإجراء معاملة ثلاث دعاوى وكلها تحتاج وقت وجهد وتكاليف، إذا تم توكيل محامي أما في حال كانت الزواج مثبت بالسجل المدني فتكتفي الزوجة بدعوى التفريق فقط.

لحسن حظ “عبير” انتهت قضية الطلاق بمدة ثلاثة أشهر، وذلك بعد توكيلها محامي لتسهيل أمور المعاملة وتوفير الجهد والوقت عليها، بسبب بعد مكان سكنها عن مكان المحكمة، وتكلفها عناء الذهاب كثيراً إلى حين انتهاء الدعوى.

إذ تحتاج الدعاوى وقتاً طويلاً لإنهائها وذلك بسبب كثرة قضايا التفريق في المنطقة، وقلة عدد المحاكم والقضاة بشكل عام، فعلى سبيل المثال محكمة إدلب تخدم منطقة كبيرة بكثافة سكانية مرتفعة، فيها قاضيين شرعيين فقط، وتنجز يومياً من 40 إلى 50 دعوى، والمدة الوسطية للدعوى سنة على الأقل، أما عن التكاليف في حال توكيل محامي فهي من 150 – 200 دولار، حسب ما أكده “العلي”.

بالوقت الذي تكلفت فيه “عبير” حوالي 150 دولار أتعاب المحامي، بعد بيع خاتمها لتسديد رسوم الدعوى، فإن نساء كثيرات يعجزن عن دفع هذه المبالغ، ويقضون وقتاً طويلاً في أروقة المحاكم إلى حين الانتهاء.

إذ باتت زوجات المفقودين اليوم، واللواتي اختفى أزواجهن منذ زمن، ويدركن أهمية استصدار وثائق وفاة لهم بعد مرور الفترة القانونية، رغم أن تلك الإجراءات تعد مكلفة لعدد منهن، وذلك لإمكانية التصرف بأملاك الزوج إن وجدت، أو الحصول على مساعدات إغاثية، أو كفالة الأطفال الأيتام والتي تشترط وجود دفتر العائلة، وتأكيد وفاة الزوج، أوفي حال رغبت الزوجة في الزواج مرة أخرى.

تغيب الإحصائيات الرسمية والأرقام الدقيقة لأعداد المفقودين أو المختفين قسرياً في سوريا، ومؤخراً في شهر آب الماضي، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان  تقريرها السنوي الحادي عشر عن الاختفاء القسري في سوريا، بمناسبة اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، وقالت فيه إن قرابة 111 ألف مواطن مختفٍ قسرياً منذ آذار/ 2011 حتى آب/ 2022، غالبيتهم العظمى لدى النظام السوري مما يشكل جريمة ضد الإنسانية.

أما بالنسبة لإجراءات الطلاق المعمول بها في محاكم مناطق عفرين وأعزاز، يوضح المحامي “نادر المطروح”، أن زوجات المفقودين والمغيبن قسراً، في حال رغبت الزوجة بالطلاق من زوجها بسبب غيابه الطويل في سفر معلوم أو مجهول الإقامة، فإنها ترفع دعوى تطلب فيها التفريق لعلة الغياب، وتدعي فيها غياب الزوج لفترة محددة قد تكون سنة أو سنتين  أو أكثر من ذلك.

وهنا تقيد الدعوى أصولاً، ومن ثم تجري المحكمة تحقيقاً محليا في منطقة إقامة المدعى عليه الغائب ليثبت لها صحة ادعاء الزوجة، ومن ثم  تطلب شهود إثبات يمثلون أمام المحكمة حتى تتيقن من حالة الغياب، لتحكم بالتفريق بناء على أحكام قانون الأحوال الشخصية.

وأشار “المطروح” إلى أن الأمر قد يزداد تعقيداً في حال كان زواج المدعية غير مثبت أصولا، مما يستدعي منها تثبيت الزواج أولاً وإلحاق نسب الأولاد ثانياً، ومن ثم طلب التفريق لعلة الغياب ثالثاً.

يذكر أن المرأة السورية كانت ضحية الحرب لسنوات طويلة، وحملت على عاتقها أعباء جديدة لم تعتد عليها من قبل، واستطاعت في ظل غياب زوجها أن تكون أماً وأباً لأطفالها، وواجهت تحديات المجتمع بقوة وعزيمة، وإلى اليوم ما تزال تعيش تبعات الحرب سواء في مكان نزوحها أو لجوئها أو في الداخل السوري.