Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

إلى المعارضة السورية إن كانت على قيد الحياة!

منذ زمن لم أسمع صوتاٌ للمعارضة السورية حتى ظننت أنها استقالت! لكن البيان الذي أصدره الائتلاف السوري بعد “الضربة الثلاثية” أكد لي أنها مازالت قائمة وإن كانت في النزع الأخير!

فقد أكد البيان على “أهمية استمرار العملية حتى استكمال أهدافها، وشدّدَ على ضرورة تحييد المدنيين عن العملية العسكرية وبذل أقصى جهد ممكن لحمايتهم، ومنع النظام وحلفائه من الميليشيات الإرهابية من استخدامهم دروعاً بشرية”. (وكالات)

بينما أعلنت هيئة التنسيق الوطنية قبل أيام- أي قبل الضربة- عن رفضها لأي ضربة أمريكية تستهدف الأراضي السورية، معتبرةً أنها لا تخدم مطالب الشعب السوري بالحرية، وبالانتقال السلمي للسلطة. وما هي إلا تصفية حسابات بين القوى العظمى”. (وكالات)

من هنا نستنتج أنه وبعد مرور سبع سنوات على الثورة السورية مازال الطرفان المعارضان شكلاً واسماً مختلفين برؤيتهما للأمور. فإذا اعتبرنا أن هيئة التنسيق لا تمثل المعارضة الحقيقية، لأنها مازالت بحضن الوطن، فهل بيان الائتلاف أكثر وطنية؟

نلاحظ أنه يريد استمرار العملية العسكرية الغربية لحين استكمال أهدافها، لكنني أعتقد أنه يقصد استكمال أهدافه هو، التي لم يستطع تحقيقها طوال هذه السنوات لأسباب يطول شرحها. قد تبدأ بالولاءات الخارجية التي تتحكم بقراراته، وانعدام قدرته على إيجاد حل سياسي يوقف هذه المقتلة، وتنتهي بسيطرة الفصائل المسلحة التي ادعت تحرير بعض المواقع، لكنها في الواقع حصرت هذه المناطق في الداخل، وعرضتها للحصار من الخارج ثم إلى القصف وأخيراٌ إلى عقد التسويات وتهجير السكان من أرضهم وبيوتهم.

أما هيئة التنسيق فلقد استمرت في المساومة مع النظام، خاصة بعد اعتقال بعض كوادرها وعلى رأسهم عبد العزيز الخير، إلى أن تبنت وجهات نظره كلها بما فيها حقه بالدفاع عن نفسه بأية وسيلة، ولم يصدرُ عنها أي تحرك يشير إلى قدرتها على خلق مناخ حقيقي وندِّي للحوار والوصول إلى حل سياسي معه.

قد يكون كل ما حصل أمراً طبيعياً، لكن ما أثار استغرابي هو الدهشة التي أبدتها المعارضة، بكل أطيافها، من موقف السوريين الذين يعيشون داخل البلد، ومن فرحتهم بفشل “العدوان الثلاثي” عليهم.

مع أني أعتقد أن هذا الفرح طبيعي، لأن من عاش سبع سنوات تحت القصف والقتل اليومي بأسلحة شبه تقليدية، بعضها مصنع يدوياٌ كالبراميل مثلاٌ، اعْتَقَدَ أن مثل هذا الهجوم سيدمر البلد عن بكرة أبيه، فهو لا يعرف مدى “ذكاء وجمال” الصواريخ التي أطلقها الغرباء.

وكما قلت بالأمس إن من يؤيد هذه الضربة من السوريين هو فقط من يأمل أن تكون قاضية، بمعنى أن تضع حداً لكل ما يحدث من قتل وتدمير وأن يبدأ العمل السياسي لحلِ ما هو عالق، لكنها كانت مثل “شكة دبوس” لا أكثر.

كل ما يحدث اليوم أعادني سنوات إلى الوراء، وأعاد إلىَّ الأفكار التي كانت تراودني ونحن داخل سورية، وموقفنا ممن أعلن نفسه متحدثا باسم الشعب السوري.

وتذكرْتُ رسالة كنت قد كتبتها قبل خروجي من دمشق بنية إرسالها إلى المعارضة أتحدث فيها بلسان المحاصرين داخل الوطن السليب.

لم أرسلها للنشر في ذلك الوقت لأنني خشيت أن تكون نتيجة لحظة انفعالية، لكنني اليوم وأنا أعيد قراءتها، أجدها بعد أربع سنوات مازالت صالحة تماماً، إضافة إلى أنها جعلتني أتذكر سبب صمتي الطويل بعد مغادرتي دمشق، وأتذكر هذا الإحساس الذي مازال يلازمني ويمنعني من الكتابة المتواصلة، ربما هو إحساس بالذنب أو عدم الرغبة بالتنظير، أو ربما عدم الرغبة بتوجيه أصابع الاتهام المباشر للمعارضة السورية على أمل تحسين أدائها.

لم أرسلها للنشر في ذلك الوقت لأنني خشيت أن تكون نتيجة لحظة انفعالية، لكنني اليوم وأنا أعيد قراءتها، أجدها بعد أربع سنوات مازالت صالحة تماماً، إضافة إلى أنها جعلتني أتذكر سبب صمتي الطويل بعد مغادرتي دمشق، وأتذكر هذا الإحساس الذي مازال يلازمني ويمنعني من الكتابة المتواصلة، ربما هو إحساس بالذنب أو عدم الرغبة بالتنظير، أو ربما عدم الرغبة بتوجيه أصابع الاتهام المباشر للمعارضة السورية على أمل تحسين أدائها.

 

سأعيد، وإن متأخرة، بعض ما جاء في تلك الرسالة، خاصة وأننا بانتظار تحرك سياسي يبدو أن المجتمع الدولي يعد له العدة في المستقبل القريب، فربما تتذكر المعارضة التي ستتحدث باسم السوريين ماذا يقول لسان حالهم بالأمس واليوم.

نص الرسالة كالآتي:

نحن في الداخل السوري مازالت أصواتنا مخنوقة ومازال الرعب يسيطرُ علينا. أقول هذا للأصدقاء الذين غادروا وبدأوا توجيه الاتهامات لنا، وكأنهم نسوا أين وكيف نعيش نحن، من بقينا في الداخل، واليوم أعيد القول على مسمع الجميع:

“كفاكم تنكيلاٌ بنا وبمشاعرنا، كفاكم بيانات ومطالبات، كفاكم مناشدات وإدانات. إن لم تكونوا قادرين على فعل شيء، اتركونا ننظم أمورنا بطريقتنا، فأسلوبكم يزيد الجراح جراحاٌ”.

“منذ اليوم الأول للثورة، وأنتم تعلنون أن النظام آيل للسقوط، لكنكم في الحقيقة منهمكون بتوجيه الاتهامات لبعضكم البعض! أين أنتم من هذا النظام الذي يعرف ما يريده تماماٌ والذي اتخذ لنفسه خطا لم يحدْ عنه قيد أنملة، ويؤكد كل يوم نظريته في مكافحة الإرهاب، ويدافع عنها ويوثقها، بعد ثلاث سنوات من القتل، على شاشة تلفزيونه الوطني. ومازال يعرض آخر اعترافات المتهمين الذين قبعوا في سجونه أشهرا طويلة، وما هم في الحقيقة، إلا طلبة وصحفيين وناشطين سلميين نعرفهم شخصياٌ”.

بينما أنتم يا من سئمنا أصواتكم ووجوهكم وكلماتكم، مازلتم تصرخون باسم الثورة. أنتم يا من فهمتم أن المعارضة لا تعني إلا الرفض، رفض كل ما هو قائم ورفض ما يمكن أن تقوم له قائمة في المستقبل. انتظرناكم طويلاٌ لتمنحونا بارقة أمل أو إشارة ما، تنبئ عن فرج قريب، لكن دون جدوى، فأصبحنا بانتظار “غودو”.

كفاكم بيانات. لا تجعلونا نخجل من انتمائنا لكم، وانتمائنا إلى هذه الثورة التي حولتموها إلى كلمات، بينما شباب البلد يُذبح على أرض الوطن ويُهان على شاشاته. هل أذكركم بأول المعتقلين السلميين: مازن درويش، ومن في حكمه من المدافعين عن حقوق الإنسان، أم عبد العزيز الخير المنادي الأول بالحل السياسي والرافض لعسكرة الثورة، أم رزان زيتونة وأصدقائها! إن لم تستطع بياناتكم الإفراج عن هؤلاء وأمثالهم، فكيف لها بإنقاذ البلد!

ثلاث سنوات ونحن بانتظار وعودكم، تركنا وظائفنا وامتنعنا عن دفع الفواتير إلى أن بدأوا بملاحقتنا، وبعد طول انتظار عدنا لنمارس طقوس الحياة اليومية، لنأكل ونشرب ونتنفس لا أكثر.. لكن مع كل لقمة غصة، مع كل شربة ماء حرقة ومع كل نفس عصرة قلب لا ترحم، ونحن نشاهد النازحين واللاجئين يفترشون الأرض ويموتون جوعاً!

أكتب كلماتي تحت وقع أصوات المدافع والراجمات والهاون. لم أحفظ أسماء الأسلحة كلها ولا أريد حفظها. لا أريد الاعتياد عليها وهي تتساقط فوق رؤوسنا وأنتم خارج مدى القصف تتبجحون “أن النصر صبر ساعة”!

ثلاث سنوات مرت واستنفذنا الصبر، وأنتم استنفذتم الفرص!

وللعلم أنه مع صوت القذائف نسمع أصواتاً بعيدة ومتعبة من مسيرة خرجت تجوب شوارع المنطقة الآمنة تهتف بحياة الجيش والقائد! نعم، فلا شيء تغير. مازالوا قادرين على تجميع أطفال المدارس ليهتفوا لهم. أرجوكم، لا تطلبوا منهم أن يقولوا لا، لأنهم لو قالوها عاليا، لكانوا في القبور أو في المعتقلات وأنتم خير العارفين.

أكتب بصفتي مواطنة سورية عشت وكبرت وأكاد أهرم، وأنا أعرف شيئاٌ واحداٌ فقط هو أنني سورية، ولن أسمح لأحد بالمزاودة عليِّ في هذا الأمر.

كنت أعرف الخطوط الحمراء وأحاول تجاوزها إن أمكن. تعرض الكثير من أصدقائي وصديقاتي للاعتقال أو للتهديد، وكان هاجسي الوحيد ألا أخوض هذه التجربة، مع أنها كانت ستمنحني وسام البطولة كما منحته لغيري الذي استطاع بسببها أن يصبح مناضلاٌ برخصة نظامية. فحتى نضالك أيها المعارض لا يحتسب إن لم يرصع بختم النظام!

فرحتي لم تكن توصف في الأيام الأولى، وأنا أشاهد الشباب وأسمعهم يهتفون (الله سورية حرية وبس). شاركت وكتبت عن محاولات الاعتصام السلمي مؤكدة على الصورة المدنية والحضارية للشباب الثائر بكلمات بسيطة. لكن لم يبق لهذا الكلام معنى عندما فُرض علينا إعلان الولاء الأعمى للجيش وقائده ودعمه في حربه ضد الإرهاب والإرهابيين، فيما أنتم تتفرجون، فانسحبت بهدوء وفضلت الصمت.

كلمة واحدة سأقولها لكم يا قادة المعارضة: إن من لم يعلن ولاءه لنظام قادر على البطش بأي لحظة لن يعلن ولاءه لفريق منكم إن لم تكونوا صفاٌ واحداٌ في وجه الظلم.

مازال إيماني كبير بقدرتنا على الصمود، وكل يوم يزداد إيماني بأن الكبرياء التي يتمتع بها الإنسان السوري هي مقتل هذا النظام وقد تكون مقتلكم أيضاٌ.

إن عدم القدرة على إخضاع أرواح الناس هو ما يصيب الكثيرون بالجنون، والروح المعنوية التي نتمتع بها، هي وحدها من سيحقق الانتصار، على الرغم من الظلم الذي نتعرض له من كل الأطراف.

نحن من في الداخل نطالبكم فقط بأن تتحدثوا باسم الوطن، إن كان مازال موجوداً بالنسبة لكم، أو فاتركونا نعد أيامنا بصبر وصمت ونتجنب الموت قدر المستطاع.