Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

نقابات غائبة وحقوق ضائعة.. العمال ضحايا الفقر والاستغلال في إدلب

خاص - SY24

أكثر من سبع ساعات يومية، يقضيها “عادل الحلبي” 27 عاماً، نازح من ريف حلب الشرقي، في ورشة بناء قرب مكان سكنه في مخيمات دير حسان شمال إدلب، وتزداد مشقة العمل في رمضان، حيث يبذل جهداً مضاعفاً في نقل مواد البناء من أكياس الأسمنت والرمل إلى الطوابق العليا، برفقة خمسة عمال آخرين، بينهم أطفال يافعين، وهم على هذه الحال منذ بداية شهر رمضان.

يقول الشاب العشريني في حديثه إلى منصة SY24 إن “البقاء بدون عمل وسط الظروف المعيشية الصعبة والغلاء الفاحش، هو أشد مرارة من العمل في رمضان  بورش البناء، فأطفالي بحاجة إلى طعام ودواء مستلزمات أخرى، قد أحرمهم إياها لو تكبرت على العمل وجلست في المنزل”.

حال الشاب “عادل” تشابه حال آلاف عمال المياومة في إدلب، والذين يعانون من ظروف عمل شاقة، وأجرة زهيدة وضياع حقوقهم في حال تعرض أحدهم لإصابة عمل خطيرة كما حدث مع “أبو خالد الحمصي” العام الماضي.

حيث تعرض “أبو خالد” إلى إصابة وكسر في حوضه، ورجله، أثناء عمله في العتالة بمدينة إدلب، جعلته طريح الفراش عدة أشهر إلى حين امتثاله للشفاء بشكل جزئي، وطيلة هذه الفترة لم يعرض عليه صاحب العمل أي تعويض مادي، مع أنه أصيب بالحادث أثناء عمله في شركة الشحن حسب ما أخبرتنا به زوجته، إذ لا نقابة للعمال في مدينة إدلب تحفظ حقوقهم في حال تعرضوا لإصابة عمل، أو تضع الحد الأدنى للأجور وتلزم أصحاب العمل بدفعها دون استغلال الوضع المعيشي السيء لغالبية العمال.

ويقصد العمال مهن مختلفة فمنهم من يعمل في المطاعم والأفران، ومحطات الوقود وغسيل السيارات، وبعضهم يذهب إلى المناطق الصناعية للعمل في تصليح وصيانة السيارات، وكثير منهم يعمل في ورشات البناء، وتتفق جميع تلك المهن بضياع حقوق العمال وتدني أجورهم، واستغلالهم بشكل واضح من قبل أصحاب العمل.

يقترح الخبير الاقتصادي “محمد سندة” في حديثه إلى مراسلتنا حلولاً لمنع استغلال العمال ولاسيما عمال المياومة إذ قال: إن “الحلول المقترحة بهذا الخصوص يجب أن يكون في شقين، الشق الأول وهو الزاوية الأخلاقية والتي تقع على عاتق صاحب العمل، بوجود رادع أخلاقي لمنع استغلال العمال، وذلك بإعطائهم حقوقهم المستحقة، التي تناسب الجهد والوقت المبذولين في العمل، انطلاقها من الحديث الكريم “أعطِ العامل حقه قبل أن يجف عرقه” في إشارة واضحة إلى الالتزام بدفع أجرة العامل وعدم المماطلة بها كما يحدث في كثير من الأوقات.

وأضاف “سندة” ، أما عن الشق الآخر فهو الجانب القانوني من حيث فرض التشريعات والقوانين التي تضمن حقوق العمال، وأشار إلى أن هذا الجانب مفتقد نوعا ما في الشمال السوري، إذ أنه من المفروض على الحكومات المعنية بالأمر أو المجالس المحلية، والجهات المسؤولة الاهتمام بموضوع العمال ومعرفة معايير تكاليف المعيشة، لوضع الحد الأدنى للأجور مع التركيز على أن تكون ملزمة من ناحية التطبيق، وعليها عقوبة في حال المخالفة، فضلاً عن المنارة من النقابات المحلية في حال وجودها، للضغط على الجهات ومحاسبتها، ودعم العامل من ناحية الأجور والإجازات، التعويضات في حال إصابات العمل.

غير أن الواقع أثبت عدم وجود الجانبين في كثير من الأحيان، حيث تتعرض شريحة كبيرة من العمال إلى الاستغلال، بسبب كثرة اليد العاملة وقلة فرص العمل ما يجعل أرباب المصالح يتحكمون في أجرة العامل وساعات دوامه حسب مصلحتهم فقط.

للاطلاع على الناحية القانونية، تواصلت منصة SY24 مع المحامي والمسؤول القانوني “محمد العلي” الذي أكد لنا عدم وجود أي جهة قانونية أو إدارية أو رقابية من الحكومة تتولى شؤون العمال في إدلب، في حين كانت نقابة العمال والشؤون الإدارية والعمل سابقاً تتوليان ضبط حقوق العمال وتحديد العلاقة بين العامل وصاحب العمل. 

وأكد على ضرورة وجود قانون يضبط ذلك، ويحدد ساعات العمل، والإجازات، التعويضات والتأمين الصحي، إلا أن الأمر على أرض الواقع حاليا هو عشوائي لا يخضع لأي سلطة إلزامية. 

وذكر أن المحاكم الموجودة قد تتولى مهمة الفصل بين الطرفين إذا حدثت مشكلة، وتقدم العامل بشكوى تجاه صاحب العمل في حال عدم إعطائه أجرته مع وجود شهود على القضية، وبناء على الأدلة يتم الحكم للعامل ويلزم صاحب العمل يدفع الأجرة. 

ويواجه العمال في محافظة إدلب وريفها، ظروفاً معيشية صعبة، في ظل تدني أجورهم ولاسيما عمال المياومة وأصحاب المهن الشاقة، التي لا تتناسب أجورها مع ارتفاع الأسعار وموجة الغلاء التي تشهدها المنطقة، وحسب ما رصدته منصة SY24 فإن أجرة العامل لاتتجاوز خمسين ليرة تركية أي ما يعادل أقل من ثلاث دولارات يومياً، وهي غير كافية لشراء وجبة طعام لعائلة من خمسة أشخاص.

كما تتسع الفجوة بين مستوى الدخل المتدني، وبين  أسعار السلع والمواد الأساسية التي تضاعفت أسعارها عن العام الماضي بشكل ملحوظ، بسبب تدني سعر صرف الليرة التركية، إذ بات عدد كبير من هؤلاء العمال يحصلون على نفس الأجرة، رغم الارتفاع الحاصل في جميع الأسعار بدءاً من المواد الغذائية وأسعار الوقود والمواصلات وأجرة المنزل وأسعار الكهرباء والنت، وباقي المقومات الأخرى الضرورية للحياة.

وفي سياق متصل، قدر فريق “منسقو استجابة سورية” في  استبيان لهم العام الماضي، بأنّ نسبة العاطلين عن العمل في مناطق شمال غربي سورية بلغت 89 في المائة، ولاسيما في منطقة عانت من الحرب والقصف وتدمير البنى التحتية، وتعتمد على المساعدات الإنسانية، كما أنها تفتقر إلى المشاريع التجارية الكبيرة والمعامل والمصانع التي تستقطب عددا من العمال، وبالتالي ساهمت كل تلك الظروف في تردي الواقع المعيشي للمواطنين.