Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

نساء في الشمال السوري يصنعن مستقبلهن بأيديهن

SY24 -خاص

في كل صباح توصل “رهف” أطفالها الثلاثة إلى المدرسة، وفي طريق عودتها تمر بالسوق الشعبي لتشتري حاجياتها لطبخة اليوم، ثم تعود لبيتها قاصدةً مطبخها، تبدأُ بغلي ورق العنب ثم تحضير الأرز لتصنع بها (اليالجني)، فقد لقيت هذه الأكلة إقبالاً كبيراً من زبائنها.

“رهف” 29عاماً، من مدينة أريحا، توفي زوجها خلال قصف النظام على مدينتها وبقيَ أولادها بدون معيل لهم، فعملت على تكريس وقتها لتربيتهم وتأمين مستلزماتهم، واستغلت مهارتها في الطبخ وفنها في تقديم الأطباق الشهية، لتأخذ من مطبخها مكاناً لعملها، وبدأت في استقبال الطلبات عن طريق تطبيق “الواتس آب”.

تخبرنا “رهف” عن نجاح تجربتها وإقبال الزبائن عليها بشكل مستمر فتقول: “أسست مجموعة شملت أصدقائي وأقاربي أنشر بها ما أطبخ كل يوم، وهكذا بدأت الطلبات تصلني بشكل دائم، فأنا أشتري المواد وأطبخُ بمساعدة والدتي، والزبائن تأتي تستلم الطلبية وتسلمني ثمنها وأجرتها”.

اهتمت “رهف” بتحضير الأطباق الشرقية وأبدعت في تزيينها، فبعد وضع لمساتها الأخيرة تقوم بالتقاط صور متعددة وبزوايا مختلفة وتنشرها على مجموعتها، وبهذه الطريقة أصبحت مشهورة بشكل أكبر وازدادت الطلبيات لديها خلال فترة قصيرة.

تتابع “رهف” حديثها لتخبرنا عن سبب مهارتها في طبخ وترتيبها الأطباق بطريقة فنية رائعة، فتقول: “تعلمت الطبخ عندما كنت في الصف الثامن، وبعد هذه السنوات الطويلة  أصبح المطبخ ملاذ روحي الذي وجدت نفسي فيه، وهذا ما شجعني لأبدأ بهذا المشروع قبل عامين”.

بعد حصار مدينة حلب عام 2016، وتهجير قوات النظام بعد ذلك لسكانها إلى إدلب، كانت “أم علي” واحدة من بين مئات النازحين الذين تركوا بيوتهم وأنقذوا أرواحهم هرباً من القصف والموت.

“أم علي” 57عاماً، هُجرت من مدينة حلب إلى إدلب برفقة أولادها الخمسة وزوجها، وأصبحت العائلة تحتاج إلى مردود مادي بعد أن فقد زوجها وظيفته، فعملت على صنع المونة بكافة أنواعها وبيعها في السوق.

تتحدث “أم علي” عن عملها بهذا المشروع فتقول: “أعمل على مدار السنة حسب كل موسم فأصنع (الدبيركة البيضاء، والمربيات والمخللات بكافة أنواعها ودبس البندورة والمجففات)”.

تحمل “أم علي” هذه (المضربانات) في صندوق بلاستيكي وتقصد محل “أبو محمد” 53عاماً، الذي خصصه لبيع المونة بجميع أنواعها، يذكر لنا طريقة تعاونه مع “أم علي” فيقول: “قررت التعاون معها بسبب نظافة منتجاتها وطعمها الرائع فهي تتقن عملها على أكمل وجه، اشتري منها حسب سعر السوق وأقوم أنا ببيعها للزبائن”.

ومع انتشار مراكز “تمكين ودعم المرأة” في محافظة إدلب، والتي وفرت  فرص للتدريب المهني والدعم النفسي والتوجيه الاجتماعي للنساء من فئات مختلفة، كانت “ولاء” إحدى هؤلاء النساء التي خضعت لتدريب في صناعة الحلويات والمعجنات تحت إشراف منظمة (بنفسج)، حيث أثبتت مهارتها خلال التدريب وحصلت على جائزة كأفضل متدربة، ولم تتوقف مع انتهاء التدريب بل أكملت طريقها ليكون هذا التدريب فاتحة مشروعها الجديد.

“ولاء” البالغة من العمر 30عاماً، متزوجة ولديها طفلتين وتسكن في مدينة معرة مصرين شمالي إدلب، أسست صفحة على الفيس بوك باسم (ركن الحلويات) وبدأت تنشر أعمالها في صناعة الحلويات والمعجنات التي أتقنت مهارة العمل بها.

تسرد لنا عن سبب بدايتها بهذا المشروع فتقول: “تذوقتْ إحدى جاراتي قطع من المعمول التي صنعتها بيدي، فطلبت مني أن أصنع لها بعضاً منها مقابل الأجر الذي أريده، فكانت أول طلبية أقوم بها ومنها انطلقت إلى القيام بهذا المشروع”.

يهتم معظم السوريين في تقديم أطباق من الحلويات بطريقة فنية رائعة، و تعتبر من الطقوس القديمة التي لا يزالون يحافظون عليها، فمن ضمن هذه الحلويات التي تسمى بالناشفة كالبرازق والغريية والمعمول.

هذه الطقوس جعلت “ولاء” تستعين بزوجها وأخواتها لمساعدتها في تحضير هذه الحلويات التي تحتاج إلى وقت طويل حتى تنتهي منها.

ولاقت هذه الفكرة روجاً مقبولاً وخاصة خلال الفترة الأخيرة، ومع التزام بعض السيدات الموظفات بساعات دوام طويلة، وجدن هذه المشاريع حلاً مناسباً، فأغلبهن يفضلن الطعام من صنع سيدة وبعيداً عن الوجبات الجاهزة في المطاعم، لتحظى تلك السيدة هي وعائلتها في نهاية اليوم بوجبة شهية ولذيذة.