Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

حروب وسائل التواصل الاجتماعي وسطوتها

“منشورات فيسبوك تآمرية تثير الجدل في برنامج ذي فويس فرنسا” بهذا العنوان افتتحت صحيفة “لوموند” الفرنسية الشهيرة مادتها عن المرشحة الفرنسية ذات الأصل السوري “منال مسكون”، والتي ظهرت في برنامج المواهب الغنائية المعروف عالمياً، وأدت حينها أداء لافتاً جداً للجمهور ولجنة التحكيم الفرنسية.

مادة اللوموند لم تكن تغوص في أسباب انبهار الجمهور الفرنسي والعربي والعالمي بالنجاح الأول لمنال، وإنما بأسباب الانقلاب السريع عليها، والبلبلة التي حصلت في كواليس البرنامج، بعد أن تطوع نابشو مقابر الفيسبوك لإخراج منشورين لها كتبا في تموز عام 2016، إثر الاعتداءات الإرهابية التي طالت مناطق عدة في فرنسا، وأشهرها اعتداء “نيس” المتبنى من قبل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

“منال” كانت قد كتبت عقب ذاك الهجوم متهكمة: “لقد أصبحت التفجيرات أمراً روتينياً لا ينسى فيه الإرهابيون اصطحاب هوياتهم معهم”، وأردفت متهمةً الحكومة الفرنسية بالإرهاب من خلال جملة أخرى صادمة، كتبتها أيضاً على فيسبوك: “الإرهابيون الحقيقيون هم حكومتنا”!

هاتان الجملتان كانتا كافيتين لشن الحرب على “منال” من قبل نواب عن اليمين الفرنسي وأعضاء سابقين في المجلس السمعي البصري في فرنسا، حربٌ طالت حجابها وانتمائها لفرنسا، وشككت في نواياها الوطنية، وأدت بالتالي إلى إشعال وسائل التواصل الاجتماعي بسيل عارم من الغضب على المشتركة (المسلمة)، ما اضطرها في نهاية الأمر إلى الظهور في شريط مسجل تعلن فيه وعبر فيسبوك أيضاً انسحابها من برنامج “ذا فويس فرنسا” قائلة: “لم أتوقع أن هذا الأمر كان سيحصل لي كمغنية وفنانة، لقد شاركت في برنامج ذا فويس لأجمع بين الناس وليس لأفرقهم، ولأفتح الآفاق للجميع”.

وأضافت “أنا أؤمن بالإنسانية، والمستقبل المليء بالحب والصلاح والتسامح، كما لدي إيمان ببلدي فرنسا، والأيام الماضية كانت صعبة جدا بالنسبة لي، لم أشأ أن أجرح أي شخص مهما كان، وأتمنى أن تخفف هذه الكلمات من حدة التوتر، فقد قررت ترك هذه المغامرة (ذا فويس) وأن أجعل منها رسالة قوية مليئة بالحب والسلام لأولئك المشككين”.

واختتمت: “الخوف يسيطر علي، وسوف أحافظ على ابتسامتي، وسوف أجعل قلبي وروحي يغنيان بالحب لكل الناس، أود شكر كل من ساندني في هذا الوقت الصعب، وأشكركم لتفهمكم لي، أحبكم جميعا”.

هكذا خرجت منال من المنافسة محتفظة لنفسها بالانكسار الآني، وببعض الذخيرة المعنوية، من أجل الاستمرار خارج عوالم المسارح المضاءة، وخارج ظل السيطرة الهائلة لجماهير التواصل الاجتماعي لتذكرنا بآلاف الحالات المماثلة على مستوى العالم عامة، وعلى مستوى سوريا خاصة لشخصيات خرجت من المشهد السياسي أو الإعلامي أو الثقافي بعد حكم بالإعدام المعنوي، صدر من منصات التواصل الاجتماعي، لأسباب متعددة تبدأ من الاختلاف بالرأي، ولا تنتهي بتصفية الحسابات الشخصية، والنوايا المسبقة بالعزل والإقصاء.

المحزن في القصة هنا ليس ضياع الحقوق والموت المعنوي للكثير من أصحاب الكفاءات، تحت عجلة فورة الرأي الافتراضي الجمعية وحسب، وإنما اعتبار الموضوع برمته أمراً واقعاً يسري بتواطؤ مضمر حيناً ومعلن حيناً آخر، بين أصحاب منصات الرأي تلك.

المحزن في القصة هنا ليس ضياع الحقوق والموت المعنوي للكثير من أصحاب الكفاءات، تحت عجلة فورة الرأي الافتراضي الجمعية وحسب، وإنما اعتبار الموضوع برمته أمراً واقعاً يسري بتواطؤ مضمر حيناً ومعلن حيناً آخر، بين أصحاب منصات الرأي تلك.

 

تواطؤ محمول على نشوة النصر خارج أطره المعروفة، وممارسة ديكتاتورية الجماعة ضمن مساحة باتت تسمح بذلك بحكم شكلها، متماهية بذلك أي هذه الجماعات مع منظومات ديكتاتورية أخرى، لم تتوان يوماً عن استثمار تويتر وفيسبوك وغيرهما في حربها على معارضيها، من خلال جيوشها الإلكترونية المدججة بالخبرة اللازمة لذلك، يمثلها وبشكل يرتقي إلى مرتبة الفضيحة خلال حقبة الثورة (الجيش السوري الإلكتروني) التابع للنظام!

لم لا، طالما أن مخترعي هذه الوسائل لم يعطوا حتى الآن تفسيراً واضحاً لإتاحة فيسبوك وتويتر وغيرهما كفضاء للحكم والتفتيش والقتل المعنوي المتعمد، وطالما أن الولايات المتحدة الأميركية التي تدير معظم سياسات العالم، يحكمها رئيس يقصي ديبلوماسييه، ويشن حروبه على دول أخرى قريبة وبعيدة، من على منصة تويتر!.