Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

الحرب الإلكترونية على الثورة السورية.. الغوطة الشرقية أنموذجاً

لم تتعرض ثورة في الدنيا لمحاولات السحق والتدمير والافتراء والتضليل كما تعرضت له الثورة السورية، فمنذ البداية ادعى النظام السوري “أن ثمة مؤامرةً على البلاد يتم تنفيذها عبر ارهابيين بدعم من دول معادية لسورية” ، ولتعزيز تضليله استند النظام على نظرية “جوزيف غوبلز” وزير الدعاية الهتلري المبنية على صناعة الكذب وتصديقه وفق مقولة “اكذب ثم اكذب فسيصدقك الناس”، معتبراً أي النظام أن كل المظاهرات السلمية وما رافقها من عنفه وقتله للمتظاهرين “عبارة عن فبركة إعلامية تقوم بها أجهزة إعلام ومخابرات دولية مختصة تتآمر على سورية وخطها الممانع”.

وبعد سبع سنوات من الثورة وجحيم القتل والدمار لا يزال هذه النظام يستخدم إضافة إلى البطش الدموي والتدميري حرباً اعلامية تعتمد على الحرب النفسية وأدواتها وتستفيد من وسائل الاتصال الاجتماعي لتمرير أجندتها عبر التأثير على معنويات فصائل الثورة المسلحة وحاضنتها الشعبية.

وقد برزت هذه الحالة في الحرب الحالية التي يشنها النظام السوري وحلفائه وحلفائه على غوطة دمشق الشرقية بغية احتلالها وسحق مقاومة فصائلها المسلحة المعارضة له، وترافقت عمليات التدمير ومحاولات الاقتحام المتكررة مع نسق من الأخبار الكاذبة أو ذات الطبيعة التهديدية، والتي روجت لها وسائل إعلام مختلفة، هذا النسق أراد تسهيل عملية انهيار مقاومة الفصائل أمام هجوم قوات النظام والميليشيات الطائفية، وقد بدأت عمليات التأثير النفسي على فصائل الغوطة وحاضنتها من خلال تصريحات “سيرجي لافروف” التي ذكر فيها أن “القضاء على القوى الإرهابية في الغوطة الشرقية”، ويقصد بذلك فصائل الثورة السورية يحتاج إلى تكرار سيناريو حلب أي استخدام سياسة الأرض المحروقة عبر أقصى طاقة ممكنة من القوة النارية، وبعد ذلك الطلب من المقاتلين أصحاب الأرض الخروج مع عائلاتهم من المنطقة لتتم سيطرة النظام السوري عليها وإجراء تغيير ديمغرافي فيها بما يساعده على صنع حزامه الأمني حول دمشق لحماية نظامه.

ويأتي تصريح “رامي عبد الرحمن” مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان لوكالة الصحافة الفرنسية ليخدم هذه الحرب النفسية التي يشنها النظام السوري على الغوطة، سواء كان يقصد ذلك أو لا يقصد.

فقد قال “رامي عبد الرحمن”، “باتت قوات النظام تسيطر حالياً على بلدتي الأشعري وبيت سوى وعددٍ من المزارع في وسط وشمال المنطقة”، ويتضح من هذا التصريح أن “رامي عبد الرحمن نقل خبراً لا يحتمل التأكيد لإنّ المعركة كانت مستمرة وهذا يرشح الأمر لتغيرات قد تكون نتائجها عكس خبره”، إن استخدام رامي عبد الرحمن لهذه الصيغة يجعل من خبره خبراً مضللاً ويخدم جهة محددة هي النظام الأسدي.

فرامي عبد الرحمن تحدث عن سيطرة على أجزاء واسعة من الغوطة ولم ينقل الحدث على أنه اختراق في مواقع، ففعل “باتت قوات النظام تسيطر على بلدتي الشعري وبيت سوى” يعني أن هذه القوات هيمنت وتغلبت على الفصائل وطردتها واستتب الأمر فيهما لها، لذلك فهذا التصريح ليس بريئاً بهذه الصورة التي ورد فيها بل هو يخدم بروبوغندا يعمل وفقها النظام السوري.

هذه “البروبوغندا” تريد ضعضعة الروح القتالية للفصائل الثورية في الغوطة، وإصابتها بالإحباط مع قاعدتها الشعبية المناصرة لها في الغوطة وخارجها، أما حقيقة ما جرى فهو أن النظام مدعوماً بغارات مدمرة من الطيران الروسي حاول اقتحام الغوطة معتمداً على هذه الكثافة النارية وعلى حربه النفسية ضد الثوار بغية بسط السيطرة على كامل منطقة الغوطة، وسحق القوى الثورية فيها تمهيداً لإعادة إنتاج نظام حكمه الاستبدادي من جديد، لكن الاحباط والخذلان لحقا بقوات النظام وبما خطط له الروس فأرض الغوطة امتلأت بجثث قتلى النظام وأشلائهم وعتادهم المدمر أو المتروك نتيجة هروب الجنود المذعورين.

هذه الحالة تكشف قيمة الحرب النفسية في الحروب المعاصرة وتستدعي من قوى الثورة بناء أدوات إعلامية حقيقية تبني سياستها عبر استراتيجية تقوم على تحصين البيت الداخلي في مناطقها المحررة عبر بث إعلامي صادق يعبر عن حاجات الناس وآمالهم وأهدافهم، وفي الوقت نفسه تُبنى سياسة اعلامية تتناول الوضع الحقيقي للنظام الأسدي وحاضنته من خلال معرفة حاجاتهم وأذواقهم ونمط معيشتهم وأفكارهم ومعتقداتهم، فبدون هذه المعرفة لا يمكن بناء استراتيجية فعّالة تتمّم الشق العسكري الثوري، وهناك أسباب واقعية تتوفر لزعزعة خطاب النظام وتسويقه للبروبوغندا الإعلامية التي بناها على قاعدة تخويفه لحاضنته من الثورة الديمقراطية في البلاد عبر تصويرها “إرهاباً”، وكذلك زعزعة خطاب النظام في توجهه نحو تعميق الذهنية الطائفية لدى حاضنته من خلال ترويجه لمقولة أن “المتشددين الُسنّة يريدون استئصال وجود الأقلية العلوية وباقي الأقليات في البلاد”.

مثل هذه البروبوغندا تقوم على تزوير الواقع وتضليل الناس وينبغي أن يقابلها خطاب إعلامي يبين أن وحدة السوريين تحت سيادةقانون ودستور واحد هي ضرورة لهم من أجل تطورهم وبناء مستقبلهم بعيداً عن هيمنة أي نوع من أنواع الاستبداد.

إنّ فشل مخطط احتلال الغوطة الشرقية يعني ببساطة فشل المشروعين الروسي والإيراني اللذين يريدان تعويم النظام وإعادة إنتاجه باعتباره الحلقة الضامنة لمصالحهما ونفوذهما في سوريا، والتي تتعارض مع حقوق السوريين ومصالحهم واستقلالهم في شتى الجغرافية السورية، هذا الفشل يتم تحقيقه الآن من خلال قدرة فصائل الغوطة على رد العدوان عنها ومنع احتلالها، ويتمّ أيضاً من خلال استنفار كل قوى الثورة لدحر الاستفراد بالمناطق منطقةً تلو منطقة عبر قيامها بنصرة الغوطة بما يُتاح لها من جهد عسكري ومادي، إن بناء استراتيجية إعلامية متينة وغير مكلفة يقوم على استخدام خبرات الشباب الثوريين في “السوشيال ميديا” وفي الاستمرار بالثورة السورية حتى تحقيق أهداف الانتقال السياسي بدون رأس النظام وبطانته.