Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

أسد الصين الرفيق “شين جين بينغ” للأبد!..

شي جين بينغ - رئيس الصين

تحالف الديكتاتوريات يعيد تشكيل القيم

صوتت الصين منذ أيام على مدّ فترة الرئاسة لمدة أقصاها “مدى الحياة” للرئيس الحالي “شي جين بينغ”، هذا المشروع كان قد تم اقتراحه -أو فرضه- على البرلمان الصيني، وجاءت الموافقة تحصيل حاصل، وبلا أي نقاش بين أعضاء البرلمان.

لمَ لا والفرصة باتت سانحة لتأصيل الديكتاتورية والأبدية ووضع الشعوب أمام خيار واحد وهو اختيار العبودية بدل فرضها عليهم بالقوة.
وعلى الرغم من المسافة الجيوسياسية الكبيرة بين الصين وسورية، إلا أن ثمة ارتباطاً بين الحدث السوري والإجراء الصيني الأخير، صحيح أن ما حدث في الصين يعد شأناً داخلياً بحتاً من حيث الشكل، إلا أنه في العمق شكل من أشكال المتغيرات الجديدة والحادة على مسار السياسة العالمية الحديثة والتي انزلقت بسرعة للانتصار لمنطق القوة على حساب العدالة وحق الشعوب في الحياة.

ظاهرياً، لا يبدو أثر السياسة الصينية في الشأن السوري كبيراً وعميقاً، ولربما تناسى السوريون الدعم السياسي المباشر الذي تلقاه الأسد من خلال الفيتو الأول الذي اشتركت فيه الصين طواعية مع الروس وساهمت بالتالي مساهمة فعالة في بقاء الأسد كابوساً مريعاً على صدور السوريين مما جعل مسؤولية الصين في المأساة السورية لا تقل كثيراً عن مسؤولية روسيا، ولكن نسيان الأثر الذي خلفته الصين جاء بالمقارنة مع كم الإجرام الروسي على الأرض السورية.

ربما لم تكن سورية ووضعها الداخلي هو ما شغل الرئيس الصيني المنتخب اليوم مدى الحياة، ولكن على وقع المأساة السورية بدأ يتشكل حلف جديد وغريب هو في الحقيقة حلف الديكتاتوريات على مستوى العالم، ولربما يمكن اعتباره من أكثر التحالفات نجاحاً، فبنظرة سريعة إلى مكونات هذا الحلف سنجد روسيا وإيران وكوريا الشمالية في طليعة الحلف يجرون وراءهم بعض الدول العربية، والرابط الوحيد فيما بينهم هو أبدية الحكم، تلك التي تطلقها الصين اليوم علانية بل وتحتفل بها كإنجاز وعلامة مسجلة.

لم تعد المسألة مرتبطة بالشرق الأوسط إذن، لم يعد حافظ الأسد والقذافي وحتى تلك الجثة المؤجلة “بوتفليقة”، وغيرهم من أصحاب نظرية الحكم الأبدي ظاهرة محلية، فقد بدأ الشرق الأدنى أيضاً بالانتقال من مرحلة الديكتاتورية الصامتة، إلى مرحلة الديكتاتورية المعلنة، ولكن تحت ذريعة الاستجابة لرغبة الشعوب هذه المرة.

ولربما كانت مأساة سورية أهم مرجع وأكبر عبرة دفعت المواطن في دول متعددة في العالم للتخلي تلقائياً عن حقه في الرأي والمشاركة في الحياة السياسية والسعي لمطابقة إرادته مع إرادة الحاكم بحيث يصل إلى التصالح مع ذاته والتخلص من تبعات الاستعباد والذل، ليبدو أن خياره هو ما تم اعتماده وليس خيار الحاكم، أو بالحد الأدنى أن خياره غير متعارض مع خيار الحاكم.

وعلى الرغم من حالة الازدهار الاقتصادي غير المسبوقة التي تشهدها الصين، إلا أن الفضل في ذلك يعود بالتأكيد للشعب الصيني وعلمائه واقتصادييه وعقوله ومواهبه ودأبه وعمله، وليس لشخص الرئيس بالتأكيد، ولكن الديكتاتور يفترض أن كل منجزات الشعب وفي كل المجالات إنما تمت بفضله ويعتبرها جزءاً من إنتاجه الشخصي، وممتلكاته الشخصية.

وربما لهذا السبب بالذات لا يتوانى الديكتاتور عن تدمير بلده بكل منجزاتها وحضارتها إن شعر بتهديد قصره، وهنا يبدو الديكتاتور خطراً على الأمم المتقدمة أكثر مما يشكله من خطر في الدول النامية التي لم تنجز بعد مشروعها الحضاري.

وللمفارقة، فقد أدركت شعوب العالم اليوم أن تهديد الديكتاتوريات بات أشد خطراً على الأوطان والشعوب من قوى الاحتلال ومن مخاطر الدول المعادية، وربما كان ذلك عاملاً أساسياً في النجاح الباهر الذي حصده مشروع التمديد للرئيس الصيني مدى الحياة، وهو أيضاً العامل الرئيسي وراء نجاح حلف الديكتاتوريات التي تهدد شعوبها وأوطانها أولاً، وكل ذلك مرتبط ارتباطاً وثيقاً بنموذج القمع والقهر والقتل الذي تم اعتماده في سورية.

إن عظمة الصين تتناقض تماماً مع القبول بفكرة الأبدية، ولا يمكن أن تكون النخب السياسية الوطنية هناك مقتنعة بتلك الفكرة حتى وإن كان الرئيس ملاكاً، ولكن الحلف المشار إليه بات يعرف الطريقة المثالية للتخلص من أية حركة معارضة قد تشكل خطراً على حكمه، وهو ببساطة اتهام الخصوم أو المعارضين بالإرهاب وإلباسهم الثوب الداعشي حتى وإن كان الطرف المعارض حزباً علمانياً صرفاً، وبالقياس إلى التجربة السورية، فإن معالجة أي حركة معارضة في الامبراطوريات التي شكلت الحلف الجديد ستكون على الطريقة السورية، ولا سيما في ظل صمت وقبول القوى الكبرى للواقع الجديد إن لم نقل دعمهم له.

الرئيس الروسي فلاديميير بوتين يظن نفسه أكثر ذكاء فهو يمدد لنفسه عبر انتخابات يعتبرها حرة وديمقراطية، أو ربما يتبادل الأدوار مع أحد أعضاء المافيا الروسية -كما فعل منذ سنوات- فيبقى في كل الأحوال الرئيس الفعلي، ولكن الانتخابات الرئاسية التي جرت في روسيا بالتزامن مع التصويت على أبدية الرئيس الصيني، لم تختلف كثيراً عن فكرة الأبدية، وإنه لمن الغريب حقاً أن يتنازل بوتين عن الحكم الأبدي على غرار ما حدث في الصين، فيما هو يمارس الأبدية فعلياً، ولو أنه اعتمد منهج زميله “جين بينغ” لكان وفّر على نفسه وعلى بلده بالحد الأدنى تكاليف إقامة انتخابات يعرف الجميع مدى زيفها وكذبها، ولم يكن على بوتين إلا الإيعاز لمجلس “الدوما” بإجراء مماثل لتكون الأبدية مطلباً شعبياً أيضاً، وتكون الاستجابة لهذا المطلب منةً من الرئيس ومكرمة كبيرة لشعبه.