Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

الكيماوي بين إيران وإسرائيل

الكيماوي بين إيران وإسرائيل

بالأمس القريب شهد العالم مجزرة كيميائية جديدة من مجازر الحرب الكيميائية بحق الشعب السوري، في مدينة دوما في غوطة دمشق، هذه المجزرة ماهي إلا حلقة في سلسلةٍ محكمة الترابط عند اللاعبين الكبار في الساحة السورية، وإن كانت تبدو – للوهلة الأولى – أنها حدثٌ عابرٌ كغيره من الأحداث التي عايشها الشعب السوري.

لو مثّلنا الحدث السوري بعقارب الساعة، لكان نظام الأسد من يمثّل عقرب الثواني بحجمه لا بدقّته طبعاً، فهو الحلقة الأضعف، وعندما استلمت إيران زمام الأمور في منتصف عام 2012، كانت اللاعب الأكبر والأثقل وزناً، فهي أشبه بعقرب الساعات.

لم يَرُقِ الأمر البتّة لروسيا الاتحادية! فمن غير المعقول أن تتخلى عن مصالحها الاستراتيجية التي تعبت عليها طيلة عقودٍ مضت، فما كان منها إلا زجّت نفسها وبكامل ثقلها على الملعب السوري، وعملت على تحجيم الدور الإيراني شيئاً فشيئاً، فأعادت إيران إلى عقرب الدقائق، وكان عقرب الساعات من نصيب روسيا مجدداً، فهي الدولة الأقوى والأجدر أن يكون نصيب الأسد لها في سوريا.

يدٌ خفيّةٌ ومن وراء الستار تارةً ومن أمامه تارة أخرى، تتحكم بعقارب تلك الساعة، تقدّمها حيناً وتؤخّرها حيناً آخر، بحسب المصلحة التي تقتضيها لنفسها ولحليفها الأبرز في المنطقة.

أمريكا وإن لم تزجّ بما يكفي من عتادها وعددها على الأرض السورية، فهي الحاضرة الغائبة، ولها اليد الطولى، وتدير العقارب كيف تشاء ومتى تشاء.

المصممّ والذي حدّد وظيفة كل جزء من آلته، هو وحده القادر على تغيير مهامّ تلك الآلة، وإعادة برمجتها من جديد، وهو وحده القادر على توظيفها بالشكل الأمثل بما يخدم أهدافه وتطلّعاته.

إسرائيل آلت على نفسها أن تكون خلف الستار في أغلب أوقاتها، وإن ظهرت للعلن أحياناً فلا تظهر إلا بوجهها الملائكيّ، ولا يعلم الكثير منّا أن خيوط اللعبة السورية بيدها كلها.

مجزرة الغوطة الكيميائية الأولى في آب 2013 والتي ارتكبها نظام الأسد وأودت بحياة أكثر من 1400 مدنيّ، لم تكن بقرارٍ سياديّ من سيادته (بشار الأسد)، فكلنا يعلم أنه رئيس صوريٌّ، فاقد لكامل الصلاحيات منذ حادثة خليّة الأزمة التي نفّذها الحرس الثوري الإيراني، واستلم زمام الأمور في دمشق من بعدها.

إذاً من هو صاحب القرار؟

بالتأكيد ليست إيران، فهي تعلم علم اليقين أنّ استخدام السلاح الكيميائي المحرّم دولياً سيكلّف إيران الكثير، وسيترتّب عليه ما لا تطيقه إيران وتتحمله في ذلك الوقت، فهي بغنىً عن مواجهة العالم الخارجي، في حين انشغالها بما يقلقها على الأرض السورية من الشعب الثائر، ناهيك عن الملف النووي الإيراني الذي ترغب إيران وبشدّة له أن يتم تسويته مع إدارة أوباما آنذاك.

إنّها اسرائيل بالتأكيد!

هي صاحبة القرار، وباتفاق بينها وبين روسيا وأمريكا بأن يلجأ الأسد إلى استخدام السلاح الكيميائي، الذي من شأنه استصدار قرار من مجلس الأمن الدوليّ – بموجب الفصل السابع – بمعاقبة الفاعل على جريمته النكراء تلك، والذي ستقابله روسيا بالفيتو طبعاً، بما يُلجأ أمريكا إلى التفرد بالقرار ومعاقبة الأسد على ما اقترفت يداه.

حشدت أمريكا – على أعين العالم – كامل قواتها على سواحل المتوسط، وظنّ الجميع أن أوباما عازمٌ فعلاً على معاقبة الأسد.

“لكيّ نقنع أمريكا بالتراجع عن قرارها وتنفيذ وعودها عليك بالموافقة على سحب مخزونك الكيميائي كاملاّ” هذا ما أخبرته روسيا لنظام الأسد، ومن ورائه إيران، وهو ما خطّطت له اسرائيل من قبل، لتصل إلى مرادها بسحب السلاح الكيميائي السوريّ والذي كان سيؤول إلى أيدي الإيرانيين إن استمر بقاؤهم في سوريا طبعاً.

أحداثٌ كثيرةٌ تتابعت على الساحة السورية، ويبقى الحدث الكيميائي هو الحدث الأبرز والأهمّ، والذي دأبت اسرائيل بالعزف عليه دائماً.

مجزرة خان شيخون الكيميائية في شهر نيسان من عام 2017 والتي راح ضحيتها أكثر من 100 شهيد و400 مصاب، كان من نتائجها تدمير مطار الشعيرات في حمص، والذي يمكن أن يشكّل تهديداً لإسرائيل من قِبل الإيرانيين.

لقد عملت روسيا على تحجيم الدور الإيراني في سوريا منذ دخولها إلى سوريا، وعلى الرغم من ذلك فما تزال إيران حاضرةً وبقوة من خلال وجودها العسكري والاستخباراتي والسكاني، ومن خلال ميليشياتها والفصائل العسكرية الشيعيّة الموالية لها، وهذا ما ساعدته عليها الإدارة الأمريكية السابقة لخلق توازنٍ سنيّ شيعيّ في المنطقة، والذي من شأنه أن يبعث المخاوف لدى إسرائيل بأن يمتد النفوذ الإيراني ليشمل المنطقة بأسرها، وتنساق وراء أطماعها التوسعيّة، ناسيةً أن إسرائيل كانت – يوماً ما – هي الحليف الأقوى لإيران.

كان لا بدّ من حدثٍ كيميائيٍ آخر تسلّط عليه إسرائيل الضوء للعالم، فكانت مجزرة دوما الكيميائية في السابع من نيسان لهذا العام، والذي نفّذته المروحيات السورية، وخلّفت أكثر من 100 شهيد و700 مصاب.
لو نظرنا بتمعّنٍ إلى السيناريو الجديد، الذي تشهده الساحة الدوليّة اليوم، عقب مجزرة دوما الكيميائية، لوجدنا تطابقاً شديداً بينه وبين سيناريو الغوطة عام 2013، إلا أنّ المراد أكبر هذه المرّة.

الوجود الإيراني في سوريا يجب أن ينتهي، هذا ما تطلبه إسرائيل وتقرره الإدارة الأمريكيّة الجديدة وتنفّذه روسيا.

مفاوضاتٌ وجولاتٌ مكّوكيّة بين عواصم الدول صاحبة القرار، والدول الوسيطة أيضاً، لإقناع إيران بإنهاء تواجدها في سوريا، وإلّا فالضربة العسكرية للتحالف الدولي بزعامة أمريكا قادمةٌ لا محالة.

خياران لإيران لا ثالث لهما ” مُرّانِ أحلاهما مُرّ”!

إن وافقت إيران على خروجها من سوريا – وهو ما لن تُقدم عليه إيران لأنّ سوريا هي تكملة حلمها الفارسيّ التوسعيّ – كانت الساحة لروسيا وأمريكا، ومن ورائهما إسرائيل.

وإن رفضت إيران الخروج من سوريا – وهو الاحتمال الأرجح بسبب جبروتها وعدم التخلّي عن حلمها – كانت أمام حِلف عسكري دوليّ، روسيا شريكةٌ فيه أيضاً، والنتيجة أيضاً هي ساحةٌ سوريةٌ خاليةٌ لروسيا وأمريكا ومن ورائهما إسرائيل بالطبع من وراء الستار.

ما سيشهده العالم والساحة السورية في قادم الأيام، وبعد تعثّر المفاوضات مع إيران ووصولها إلى طريق مسدود، هو إنهاء الوجود الإيرانيّ في سوريا، والذي عانى السوريون منه ما عانوا.

نحن نعلم أنّنا سنستبدل محتلاً بآخر! لكن – إلى أن يقضيَ الله أمراً كان مفعولا – محتلٌ يتقاسمُ معنا رغيف الخبز أهون علينا ألف مرّةٍ من آخر يستهدف وجودنا في أرضنا!