تشهد مدينة حلب الصناعية حراكًا ملحوظًا نحو التعافي، بعد سنوات طويلة من التوقف شبه الكامل نتيجة سياسات النظام السابق التي أدت إلى تدمير القطاع الصناعي في المدينة ودفعت الآلاف منهم للمغادرة، بسبب المضايقات وفرض الأتاوات.
ومع عودة الاستقرار، بدأت المعامل تُعيد فتح أبوابها، وتعود معها أصوات الماكينات إلى الحياة، مع زيادة في عدد الصناعيين العائدين منذ الإعلان عن سقوط النظام في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الماضي بنسبة 30%
شركة مولار: من الوقف الكامل إلى إعادة التشغيل
يتحدث المهندس زاهر بوابة، مدير الإنتاج في شركة “مولار”، عن التجربة الطويلة التي مرت بها الشركة منذ تأسيسها وحتى اليوم، ويقول لمنصة سوريا 24: “تأسست شركة مولار لانتاج الأيس كريم عام 1996، واستمرت بالعمل حتى عام 2012، حين توقفت بسبب القصف والأحداث التي شهدتها المدينة”.
وبحسب بوابة فإنّ المعمل عاد إلى العمل بطاقة انتاجية ضعيفة في عام 2021، حين كانت حلب لا تزال تحت سيطرة النظام السابق..”بدأنا التشغيل بخط إنتاج واحد أو اثنين من أصل تسعة خطوط.”
بعد تحرير المدينة، بدأت مرحلة جديدة من العمل، كما يوضح زاهر: “اليوم نشغّل 3 إلى 4 خطوط إنتاج، وزادت كميات الإنتاج نتيجة الانفتاح النسبي في الأسواق”، موضحاً: “الآن أصبح بإمكاننا تصدير منتجاتنا وتوزيعها في مناطق أوسع، كما أصبحنا قادرين على الوصول إلى شريحة أوسع من المستهلكين، بعدما كانت أسعار المواد الأولية المرتفعة تقصر الاستهلاك على فئات محدودة فقط.”.
ورغم هذا التحسن، يشير إلى عدد من التحديات الأساسية، والتي من أبرزها الكهرباء ما زالت غير مستقرة، والمياه التي تصل، بحسب بوابة، مرة واحدة أسبوعيًا فقط، “ما يعيق صناعتنا التي تعتمد بشكل كبير على المياه في عمليات التبريد.. نضطر أحيانًا إلى شراء مياه عبر صهاريج لتعويض النقص، كما أن غياب الكهرباء عن بعض المناطق يعيق توزيع المنتجات المجمدة التي تحتاج إلى تبريد مستمر.”.
ويطالب الصناعي بوابة الحكومة بدعم قطاع الصناعة، وخاصة عبر توفير الطاقة المتجددة ومنح قروض ميسّرة لتركيب ألواح طاقة شمسية للمصانع والمستهلكين على حدّ سواء.
دعم الإنتاج المحلي ضرورة وطنية
من جانبه، يؤكد محمد، المسؤول العام في شركة “تانجو النجوم” لانتاج المعجنات والحلويات أن عجلة العمل بدأت تدور مجددًا بعد سنوات من التوقف، لكنه يشدد على خطورة المنافسة مع المنتجات المستوردة، ويقول لمنصة سوريا 24: “الإنتاج المحلي تضرر بشكل مباشر من الاستيراد غير المضبوط”، وأنّ “المطلوب اليوم هو دعم الصناعة الوطنية ووقف مؤقت لاستيراد البضائع التي لها بدائل محلية، حتى تتمكن المصانع من النهوض مجددًا”.
ويضيف: “نُشغّل اليوم حوالي 150 عاملاً. وفي حال توقف العمل لأسبوع واحد فقط، تتضرر عشرات العائلات. المطلوب من الدولة أن تقف بجانب الصناعيين لتأمين استمرارية العمل”.
المدينة الصناعية في الشيخ نجار: هيكلة جديدة وإعادة تشغيل المعامل
المهندس أحمد الكردي، مدير عام المدينة الصناعية في الشيخ نجار، يُفصّل الإجراءات التي تم اتخاذها لإعادة تنظيم المدينة، ويقول لمنصة سور يا 24: “نعمل على إعادة هيكلة المدينة من الداخل، وتنظيفها من العناصر الفاسدة، وإطلاق برامج تقنية لإدارة العمل الإداري بشكل فعّال، كما بدأنا حملة لإصلاح شبكات المياه، محطات التوليد، والبنية التحتية للكهرباء، بالتنسيق مع شركة الكهرباء”.
ويُضيف أن عدد المعامل العاملة ارتفع بشكل ملحوظ، قائلاً: “”عند بداية التحرير، كان هناك نحو 960 معملًا، واليوم بلغ عددها أكثر من 1200، بين معامل عادت للإنتاج وأخرى في طور الترميم والتجهيز”.
ويوضح أن الإدارة تسعى لتعزيز التواصل مع الصناعيين، وتنظيم لقاءات دورية معهم ومع مسؤولي الحكومة لعرض التحديات والإنجازات.
كما أُطلقت سلسلة من التسهيلات الإدارية، المسؤول في المدينة الصناعية في الشيخ نجار، من بينها: “تم إنشاء غرفة عمليات أمنية مشتركة تعمل على مدار الساعة، وتركيب أكثر من 60 كاميرا مراقبة. كذلك تم تحسين خدمات الإنترنت، وتخفيض رسوم الإشراف والتنفيذ الهندسي بنسبة 40%، بالتنسيق مع نقابتي المقاولين والمهندسين”.
ومع ذلك، لا تزال هناك صعوبات، حيث يشير الكردي إلى أنه رغم توفر الكهرباء بشكل شبه دائم، إلا أن تكلفتها مرتفعة، إضافة إلى صعوبة تأمين المشتقات النفطية الأساسية لعدد من الصناعات، مؤكداً أنه يتم العمل حالياً على توسيع المدينة الصناعية وتوفير أراضٍ جديدة بأسعار مشجعة، لتسهيل الاستثمار وافتتاح معامل جديدة.