Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

الحاج “عافت”.. ذاكرة بحجم مدينة الرقة

خاص - SY24

تُعتبر مدينة الرقة من المدن التاريخية في العالم، بما تملكه من إرث حضاري وثقافي، كان ومازال مقصداً لكثيرٍ من الباحثين والمؤرخين وغيرهم على مر العصور.

وقد ساعدت طبيعة السكان المختلفة والمتنوعة في المدينة، في جعلها أكثر تميزاً عن باقي المحافظات السورية، بما فيها صبغ الرقة بصبغة “العشائرية” أكثر من باقي المدن الأخرى، وهي ما تزال تحافظ على تاريخها وتعتز بنسبها العشائري.

 

وفي لقاء خاص لمراسل منصة SY24 مع الحاج الثمانيني “حمدان الحسن” من سكان ريف الرقة، وواحد ممن يشار إليهم بالبنان بحفظه لأنساب العشائر، استطاع أن يأصّل لنا نسب العشائر وتاريخها في المدينة، متحدثاً عن أهم الأحداث التي عاشتها، ومُبتدِئاً بقيام “غفان علي التركان” من قبيلة “العفادلة” بالهجوم على الحامية الفرنسية في الرقة 1941، وعرفت تلك الفترة  باسم “فلة الحكم” وأعلن ما يسمى أيضاً في ذلك الزمان  “الدولة الغفانية”، حيث هجم الفرنسيين عليه وهرب ولجأ إلى شيوخ قبيلة “الولدة الشعبانية”.

 

الحاج “عافت”، لقب أُطلق على الحاج  “حمدان الحسن” ومعناه السريع بإنهاء المسألة، حسب مفردات وقاموس أهل الرقة الأصليين، تحدث أيضاً عن سنة “الثلجة الكبيرة” 1950، التي ضربت مناطق واسعة من سوريا وبلاد الشام عموماً، وعن الجوع الذي أسغب المنطقة في تلك الفترة، مستذكراً أيامهم، ومقارناً بينها وبين هذه الأيام معبراً، بقوله :”سنة الثلجة الكبيرة أصابنا سغب وبرد، لكنه أبداً لا يُقارن بجوع هذه الأيام وقسوتها”.

واستطرد في حديثه عن تلك السنة، قائلاً: إن “الثلج غطًى كل شبر في مدينة الرقة، إلى نحو ربع متر وصولاً إلى دير الزور، وأن محصول القمح في تلك السنة لم ينبت أبداً بسبب كثافة الثلج، وتساعد الناس فيما بينهم بالمؤن المخزنة مسبقاً، وأن البرغل والعدس كانا الوجبة السائدة والرئيسية في ذلك الوقت”.

وعن أنساب العشائر وأصولها وفروعها، ذكر الحاج “عافت” أن مدينة الرقة تحتوي على أكثر من خمس قبائل رئيسية تتفرع منها العشائر المعروفة الآن، وهي “البوشعبان، المجادمة، البو خميس، الحليبين، والموسى، الذياب والشعيب” الذين استوطنوا في مركز مدينة الرقة، وبحسب ما ذكره لنا تُعتبر قبيلة “البوشعبان” من أكبر القبائل في الرقة وتضم أكثر من عشيرة وأكبرهن عشيرتي “الولدة” و”العفادلة”.

وبشكل مقصود تجنب الحاج “عافت” الحديث بشكل مفصل عن واقعة “الخفية” وهي المعركة الكبرى بين قبيلة “البوشعبان” و”البدو” في العام 1939، مؤكداً على أهمية عدم استذكار مثل تلك المعارك بين العشائر التي لن يكون لها فائدة سوى إثارة النعرات والنزاعات وإحياء الأحقاد بحسب رأيه، والتركيز على التكاتف والتعاضد بين أفراد العشائر في الرقة وسائر المدن الأخرى.

 

لكنه أكد على مكانة شيوخ القبائل في ذلك الزمان وقدرتهم على عقد الصلح بين أفراد العشائر وحقن الدماء، مشيراً إلى دور المضافات إبان تلك الفترة في حل النزاعات وعقد الصلح، وإغاثة الملهوف المطلوب لأي جهة كانت، وقدرة شيوخ المضافات على إجارة المستجير بهم.

 لدى سؤالنا عن الألعاب والرياضات التي كانوا يمارسونها أيام شبابهم، فأكد على أن الفروسية والاهتمام بالخيول كانا روتيناً يومياً بين الشباب من أبناء جيله، وكذلك المنقلة والجري وسباق الخيول، خاصة في فصل الربيع، حيث كان وقت الفراغ كبيراً في ذلك الحين.

كما استطرد في حديثه عن الموضوع وتجاوزه بتقديم النصائح للأهل في هذا الوقت بإبعاد أطفالهم عن الألعاب الحديثة التي تخلو حسب قوله من  قيم الأخلاق والمروءة وتنزعها من  نفوس الأطفال وتحثهم على القتل والإجرام، وأشار بأنه يجب تدريبهم بدلاً من ذلك على الرياضة وأنواعها الكثيرة ولاسيما الجري والسباحة.

ولم ينسى الحاج “عافت” التحدث عن فترة حكم تنظيم داعش للرقة، وكيف عايشها بسنه هذا، حيث أخبرنا عن قصته المضحكة معهم حين حاول أحد رجالات داعش القبض عليه، بسبب عدم الإصغاء لقولهم، لأنه فاقد للسمع بشكل كلي.

وختم قوله بوصفه تنظيم داعش فقال لنا: “داعش لم يكن تنظيماً عادياً أو عبثياً، بل كان مافيا استخباراتية منظمة تنظيماً عالياً جداً، جاؤوا باسم الدين، لكنهم جاؤوا لهدم أركان الدين”، هكذا عبّر الحاج عن رأيه في تنظيم داعش، واستكمل حديثه بأن “قسد تستطيع أن تجمع بين شعوب المنطقة، عندما تؤمن لهم الحد الأدنى من الحياة الكريمة، وتوفر لهم متطلبات المعيشة اليومية”.