Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

في ظل الغلاء الفاحش.. هل مازال “المكدوس” يزين المائدة السورية؟ 

خاص - SY24

حضور خجول لمونة “المكدوس” في سوريا، والتي تعد من أشهر الأكلات التراثية الشعبية، وتتصدر قائمة “بيت المونة” في وجبات الفطور والعشاء، في حين كانت تحضر سابقاً بكميات كبيرة تتجاوز مئة كيلو عند بعض العائلات، إلا أنها باتت تقتصر اليوم على كميات قليلة جداً وأحياناً يتم الاستغناء عنها لدى شريحة كبيرة من الأسر. 

يبدأ موسم تحضير “المكدوس” في شهر أيلول ويستمر حتى منتصف شهر تشرين الثاني، ولاسيما دمشق وريفها، أما في بعض مناطق الشمال يبدأ منذ شهر آب تزامناً مع تجهيز مونة “الفليفلة الحمراء”.

تخبرنا “أم أحمد” 33 عام، مهجرة من حي الميدان الدمشقي إلى الشمال السوري منذ عدة سنوات، أنها “حرصت هذا العام على تحضير مونة المكدوس لعائلتها المكونة من خمسة أفراد، لما عانت منه الشتاء الماضي من نقص في مونة منزلها، تقول لنا “البيت الي مافي مونة جوعان” في إشارة منها إلى أهمية هذا الموسم لدى العائلة السورية. 

إذ يكاد لا يخلُ البيت السوري من “المكدوس” سابقاً، غير أن الظروف المعيشية والاقتصادية المتردية التي يواجهها معظم الأهالي، جعلتهم يستغنون عنها، بسبب ارتفاع أسعارها بشكل كبير، تزامناً مع انخفاض القدرة الشرائية لديهم، وتدني مستوى الدخل.

تكاليف باهظة 

في حديثها إلينا، تقول “أم أحمد”، إنها قللت كمية “المكدوس” إلى النصف بسبب الغلاء، وحضرت خمسين كيلو لعائلتها بتكلفة قاربت 800 ليرة تركي، أي مايعادل خمسين دولار وهو مبلغ مرتفع جدا بالنسبة لغالبية الأسر. 

مراسلنا في الأسواق رصد أسعار الباذنجان والفليفلة وباقي المواد الداخلة في تحضير المكدوس، وأكد أن الأسعار تضاعفت عن العام الماضي بفارق كبير، إذ وصل سعر كيلو الباذنجان إلى 3 ليرات والفليفلة 6 ليرات ومتوسط سعر كيلو الجوز 100 ليرة، في حين بلغ سعر لتر زيت الزيتون إلى 50 ليرة تركية، إذ أصبحت مونة المكدوس ضرباً من الرفاهية أو الكماليات، ويقتصر تحضيرها على شريحة معينة من ميسوري الحال. 

حيل وبدائل 

في نفس الوقت لم تتمكن “أم خالد” 45 عام، مقيمة في ريف إدلب الشمالي، من الاستغناء تماماً عن “مونتها”، ولاسيما أن عائلتها تعد وجبة المكدوس أساسية للفطور، فاستبدلت بحيل النساء “المدبرات” حسب تعبيرها بعض المكونات بأخرى أقل تكلفة. 

تقول في حديثها إلينا، إنها اشترت فستق عبيد بدلاً من الجوز، ووضعت “زيت النباتي” كبديل عن زيت الزيتون لارتفاع سعره وقللت كمية الحشوة، وبذلك لم تحرم عائلتها من صنع مونة الشتاء، وبأقل التكاليف. 

طريقة الصنع 

وعن طريقة صنع المكدوس تحدثنا الحجة “أم جميل” وهي امرأة ستينية تقيم في كفر لوسين شمالي إدلب، لها صيت ذائع بمهارتها في صنع المونة ولاسيما المكدوس و المخللات والمربيات. 

تقول إنها تسلق “الباذنجان” أولاً إلى أن ينضج ثم يملح ويوضع في صندوق مثقوب أو وعاء بواسطة شيء ثقيل جيداً حتى يخرج الماء منه ويصبح جافاً تماماً، أثناء هذه المرحلة تكون حبات “الفليفلة” قد جفت أيضاً، ثم تخلط بعد فرمها مع الجوز والثوم ويحشى بها “الباذنجان” وأخيراً يضاف إليهم الزيت”.

تتم هذه العملية على مراحل عدة تستغرق ثلاثة أيام حسب الطريقة المتبعة، إلى أن توضع في المرطبانات، وتصطف على رفوف المطبخ بانتظار موعد فتحها وتناولها، بعد ذلك توضع أواني الزجاج الممتلئة بالمكدوس جانب بعضها البعض وتحت كل إناءٍ صحن كي لا يفيض الزيت على الأرض، إذ تعد هذه التفاصيل المهمة لا يمكن الاستغناء عنها في رحلة صناعة المكدوس وهي ركن أساسي لنجاحها.

ضعف القدرة الشرائية 

في دمشق وريفها لايختلف الأمر كثيراً من ناحية ارتفاع الأسعار والإقبال القليل على شراء كميات كبيرة لصناعة المكدوس، وتختلف تكاليف صناعة المكدوس باختلاف المواد الداخلة، إذ تصل أقل تكلفة لحبة المكدوس الواحدة، ألف ليرة سورية. 

وعدد كبير من الأهالي باتوا يشترون كيلو واحد فقط المجالات التجارية كنوع من الشهوة، إذ وصل سعر كيلو “الباذنجان” إلى 600 ليرة، والفليفلة الحمراء 1200، والثوم 2500 ليرة، أي أن تكلفة خمسين كيلو من المكدوس باتت فوق طاقتهم وقدرتهم الشرائية. 

أجبرت ظروف الحياة الصعبة العائلات السورية على التأقلم حسب ظروفهم المعيشية، وتنازلوا عن أشياء كانت بالزمن القريب من أساسيات حياتهم، من ناحية الطعام والشراب والكسوة واللوازم الضرورية الأخرى.