Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

تزايد الأفكار الانتحارية لدى الفتيات شمالي سوريا.. كيف يمكن تلافي ذلك؟ 

خاص - SY24

قبل أن تكمل “مرام” اسم مستعار، عامها السابع عشر، حاولت الانتحار مرتين، نجت من الموت فيهما، لكنها لم تنجو من الآثار النفسية التي رافقتها، بعد تلك المحاولات الفاشلة في إنهاء حياتها. 

لم يكن خيار الانتحار لفتاة تعد طفلة حسب العمر الذي وضعته الأمم المتحدة للطفولة، كونها تحت سن 18، إلا طريقة للخلاص من معاناتها مع العنف المنزلي، من قبل زوجها، لتسجل في بداية حياتها أسوء التجارب النفسية التي ستترك أثراً على المدى الطويل إن لم تتعرض لعلاج ودعم نفسي حسب ما أخبرتنا به، أخصائية الإرشاد النفسي “نجاح محمود”.

تزوجت “مرام”  قبل ثلاث سنوات، إذ كانت في الرابعة عشر من عمرها، وحرمت من التعليم ومن طفولتها بسن مبكرة، ودخلت الحياة الزوجية بجسد وعقل طفلة، ما جعلها تتعرض للضرب المبرح والمتكرر من قبل زوجها، بسبب عدم معرفتها بالأمور الزوجية وتعلقها بحياة الطفولة”. 

يعد العنف المنزلي، أحد أسباب تزايد حالات الانتحار للفتيات المراهقات في الشمال السوري، وذلك بسبب الضغوط النفسية المستمرة عليهن، من قبل الدائرة الاجتماعية الضيقة لهن، كالأهل والزوج، وأحياناً تلعب الظروف المعيشية والاقتصادية دوراً كبيراً في التفكير بوسيلة انتحار لإنهاء تلك المعاناة حسب تفكيرهم.

إذ أن الوضع المعيشي السيء أرخى ثقله على السوريين، جاعلاً التفكير بالانتحار، واقعاً ملموساً تعداه إلى مرحلة الإقدام الفعلي، بشتى الوسائل المتاحة مع اختلاف أسباب الانتحار، كالفقر وسوء الأحوال المعيشية، والضغوط الاقتصادية، إضافة إلى الأسباب العاطفية والفشل الدراسي. 

تقول “نجاح محمود” إنه في السنوات الأخيرة، ازدادت حالات الانتحار من قبل النساء والفتيات الصغيرات، ومن خلال عملي في مجال الإرشاد النفسي، والاطلاع على خلفيات الحوادث، والتواصل المباشر مع الحالات تعتقد الفتاة أن الخلاص من معاناتها هو الهروب إلى الانتحار خوفاً من مواجهة ضغوطات الحياة، ولو تم اكتشاف حالة الضغط التي تمر بها الضحية، من قبل مختصين، كان من الممكن ردعها عن التفكير بذلك”. 

لجأت” مرام” إلى شطب يدها بقطعة زجاج في محاولتها الأولى للانتحار، وإلى قتل نفسها بأداة حادة في المرة الثانية، غير أن تم إنقاذها بالوقت المناسب من قبل أم زوجها، وإسعافها إلى المشفى، وبعد ذلك دخلت بمرحلة اكتئاب حاد بسبب لوم محيطها الدائم لها، ونهرها على اللجوء إلى قتل نفسها”. 

تقول “المحمود” إن حالة “مرام” أحوج ما يكون إلى علاج نفسي، والاحتواء من قبل الأهل والزوج، والخضوع إلى فترة طويلة من جلسات الدعم النفسي، للوصول إلى مرحلة التعافي، والابتعاد عن الأفكار الانتحارية”. 

غير أن “مرام” أكدت لنا، أنها تعرضت لصدمة نفسية كبيرة، من قبل عائلتها وزوجها، بسبب محاولتها قتل نفسها، إضافة إلى اللوم والتأنيب الدائم لها، وأضافت أن عائلتها ترفض بشكل قطعي ذهابها إلى مختص نفسي أو تعرضها للعلاج خوفاً من الوصمة الاجتماعية”.

حيث تنظر عائلات كثيرة إلى فكرة العلاج النفسي عند الطبيب أنها وصمة اجتماعية، لاعتبار الشخص مصاب بالجنون وقد يؤثر ذلك على حياته مستقبلاً. 

بالوقت الذي تؤكد فيه المختصة النفسية أن جميع مراكز العلاج النفسي تتمتع بخصوصية عالية تجاه الحالات التي تستقبلها، إضافة إلى سرية كاملة حفظ الأسماء والبيانات الشخصية. 

وبشكل سري تزور “مرام” أحد مراكز الدعم النفسي الاجتماعي في إدلب، مع صديقتها التي ترافقها في خفية عن زوجها وأهلها، لإكمال جلسات الدعم النفسي التي تخضع لها في رحلة التعافي من حالة الضغط النفسي التي تعيشها. 

تدور أسباب محاولات الانتحار عند الفتيات حول زيادة العنف الجسدي، والنفسي، واللفظي التي تتعرض له في مرحلة حساسة من عمرها، قبل أن تنضج أكثر، وتصبح طريقة تفكيرها بالحياة أكثر عقلانية للبحث عن حلول بدلاً من اللجوء إلى الانتحار. 

 ليست “مرام” الوحيدة التي لديها أفكار انتحارية، فحسب أحدث بيان لـ “منسقوا استجابة سوريا”  اطلعت منصة SY24، على نسخة منه، تبين أنه ارتفعت عدد حالات الانتحار في مناطق شمال غربي سوريا، إلى 71 حالة منذ بداية العام الجاري 2022، بينها 24 حالة باءت بالفشل. 

وكشف الفريق في بيانه عبر معرفاته الإلكترونية، أن “النساء والأطفال يشكلون الفئة الأكبر في أعداد تلك الحالات، وذلك بسبب عدم وجود من يساعدهم على تخطي الصعوبات التي يعانون منها، واليافعين غير القادرين على التعامل مع المصاعب والضغوط المختلفة التي تواجههم”.

وكانت منصة SY24 قد تناولت ملف الانتحار في تقارير سابقة، حيث أقدمت فتاة عشرينية شمالي حلب، في شهر آب الماضي، على الانتحار، إثر تناولها جرعة زائدة من عدة عقاقير دوائية، أدت إلى تسممها وموتها، فيما لم تعرف الأسباب الكامنة وراء حادثة الانتحار.

كما تصدرت الأزمات الاقتصادية والمعيشية والأمنية واجهة الأحداث الحياتية في معظم المحافظات، إضافة إلى انتشار كثير من الظواهر الاجتماعية السلبية التي دفعت بالقاطنين في تلك المناطق إلى التفكير بمسألة الخلاص من تلك الظروف بأي وسيلة كانت نظراً لهذه الظروف التي تتفاقم يوماً بعد يوم.