Facebook
Twitter
WhatsApp
Telegram

ظروف عمل شاقة تواجه مندوبات التسويق في إدلب 

خاص - SY24

تستيقظ “نهلة” 27 عام، كل يوم باكرا، تحمل على ظهرها حقيبة كبيرة، مملوءة بمستحضرات التجميل، وأدوات المكياج، تلتحق بسيارة الشركة، التي تعمل بها منذ شهرين تقريباً، مع مجموعة من الفتيات والنسوة، يتشاركون نفس المعاناة واليومية، في سبيل تأمين لقمة العيش. 

تسكن “نهلة” مع أمها وإخوتها الصغار، في شقة سكنية بمخيم الكمونة، شمال إدلب، أصبحت هي المعيلة الوحيدة لعائلتها بعد وفاة والدها، تقول في حديثها إلينا: “لم أكمل تعليمي منذ نزحنا من ريف إدلب الجنوبي، قبل سنوات، ولا أملك مهنة أستطيع بها أن أساعد أمي في مصروف المنزل، وهي امرأة مريضة لاتقوى على العمل، ولم يكن أمامي سوى العمل كمندوبة مبيعات لإحدى شركات مستحضرات التجميل، الموجودة في سرمدا، كونها لاتطلب شهادة أو خبرة عمل، بعد أن قرأت الإعلان عن حاجتهم للموظفات، على إحدى مواقع التواصل الاجتماعي. 

توجد في مدينة سرمدا شمال إدلب، عدة شركات متخصصة ببيع وتسويق المنتجات الطبية ومستحضرات التجميل وأدوات المكياج، منها شركة “ميرا”، و”جنى” و”فينوس”، و جميعها تطلب بين الحين والآخر موظفات شابات للعمل في تسويق منتجاتهم عن طريق نشر الإعلانات في مواقع التواصل الاجتماعي. 

تخبرنا “نهلة” أن العمل متعب جداً فهو يستمر لأكثر من ثماني ساعات يومياً، مع يوم واحد للعطلة، تقضي أيام العمل في الطرقات، والتجول بين المنازل والمخيمات، تقول لنا “نطرق الأبواب، ونحن نحمل حقائب المواد الثقيلة على أكتافنا،  في جميع الظروف الجوية، سواء في البرد أو الحر الشديد، تقطع كل واحدة منا مسافات كبيرة مشياً على أقدامها، دون الحصول على فترة استراحة أو وجبة طعام إلى أن نعود إلى منازلنا آخر النهار، أحياناً نتعرض للصد والطرد من المنازل، وأحياناً للتحرش، و كثيراً من الأوقات نعود دون أن نبيع قطعة واحدة”. 

 لاتقتصر معاناة الشابات المندوبات على هذه التفاصيل، بل تخبرنا “أسماء” سيدة ثلاثينية، عملت سابقاً في ذات المجال، أنها لم تستطيع أن تتحمل متاعب وضغوط العمل، إذ أن المندوبة مسؤولة عن كل القطع، وفي حال نقص العدد تتغرم هي بثمنها، وأحياناً يكون الراتب نسبة من المبيع، اي أنها ربما تعمل أياما دون أن تبيع أي قطعة وبالتالي لاتأخذ أجرة تعبها، وهذا أصعب الظروف التي عايشتها “أسماء” خلال عملها السابق حسب قولها.

اختصرت “أسماء” عمل المندوبات في إدلب، بالعمل الشاق والمهين حسب وصفها للفتاة، ولاسيما أنه مطلوب منها أن تدخل المنازل، وتعرض القطع والمنتجات على ربة المنزل، وتحاول بكل الطرق إقناعهم بالشراء، و بجودة المنتجات، وإلا فإنها لن تحصل على أجرتها، بسبب قلة المبيع. 

تكثر في مواقع التواصل الاجتماعي إعلانات شركات التسويق، والتي تعلن عن حاجتها لموظفات إناث للعمل كمندوبة مبيعات (تسويق منتجات طبية تجميلية) ويشترط أن تكون من مناطق دير حسان، ومخيماتها، وقاح ومخيماتها، وعقربات ومخيماتها، أطمة، معرة مصرين، حزانو… وغيرها من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية. 

فيما تقتصر شروط العمل على أن يكون عمر المندوبة لايقل العمر عن 16 عام، ولا يزيد عن 45، وأن تجيد القراءة والكتابة فقط، دون الحاجة إلى شهادة علمية، مع عدم الخبرة سابقة، مع ضرورة الالتزام بمواعيد الدوام. 

أحياناً تكون المواصلات مؤمنة من قبل الشركات، حيث تجتمع المندوبات في مقر الشركة الساعة السابعة والنصف صباحاً، ثم ينطلقون إلى أماكن مختلفة ويبدؤون رحلة العمل وطرق الأبواب، إلى قرابة الساعة الثالثة ونصف بعد العصر، للعودة إلى منازلهم. 

تقول “أسماء”: إن “هناك شركات تعطي راتب ثابت للموظفة يصل إلى 100 دولار شهرياً، وهناك من يعطي نسبة معينة على عدد بيع القطع، وهو أحياناً لا يصل إلى نفس الراتب بل يكون أقل حسب المبيع” . 

تروي لنا ” أم محمد” إحدى سكان قرية كفر لوسين، تردد شابات في مقتبل العمر على المنازل بين الحين والآخر لعرض منتجات تجميلية، أسعارها مرتفعة جداً، تقول إن الفتيات يحاولن إقناع السيدات بجودة المنتجات، وفعاليتها، مستغلين حب المرأة لأدوات التجميل، ومساحيق البشرة، وكريمات الشعر، وغيرها من العطور وأدوات الزينة، إلا أن قليل من النسوة من تشتري منهن، باعتبار أن هناك أشياء أكثر ضرورة للمنزل، كما أن الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة للعائلات تمنع السيدات من شراء أدوات التجميل ذات الأسعار المرتفعة، ويفضلن المنتجات الأرخص ثمناً حسب قولها. 

تعود “نهلة” إلى منزلها ،بعد قضاء ثماني ساعات من العمل، في البرد الشديد، وما تزال حقيبتها ممتلئة بالمنتجات فحظها اليوم كان عاثراً حسب قولها، ولم تتمكن من بيع سوى قطعتي مكياج، لتستعد صبيحة اليوم التالي إلى رحلة جديدة في أحد المناطق.